بیان سماحته حول المبانی الفقهیة لدخالة آراء الشعب فی أمر الحکومة الاسلامیة

بیان سماحته حول المبانی الفقهیة لدخالة آراء الشعب فی أمر الحکومة الاسلامیة


تتداول فی هذه الأیام حوارات ونقاشات حول دور آراء الشعب فی الحکومة الاسلامیة , وتنتهی – أحیاناً – بنزاعات لفظیة حادة , وغالباً ما تنقل الى ما وراء الحدود , فی حین أن جمیع الأعزة ربما کان موقفهم من ذلک مشترک , ولا یعدو الاختلاف الألفاظ والأدبیات التی یستخدمونها لبیان مرادهم .‌

على أی حال , رأیت من اللازم أن أشیر الى المبانی الفقهیة لدخالة آراء الشعب فی أمر الحکومة الاسلامیة بصفتها رکناً أساسیاً من أرکان هذه الحکومة لیرتفع سوء التفاهم المحتمل .

هناک طرق مختلفة فی الفقه لاثبات هذا الموضوع (دخالة آراء الشعب) , وسوف نشیر- اختصاراً - الى واحد منها فقط :

1- یجب أن یتوفر فی ولی الفقیه الذی یمثل قمة الهرم فی الحکومة الاسلامیة ثلاثة شروط هی : الاجتهاد , والعدالة , وبسط الید .

یوجد فی الحوزات العلمیة علماء کبار مجتهدون وعدول , لکنهم لیسوا مبسوطی الید ؛ لذا لم ینالوا مقام ولایة الفقیه بمعنى رئاسة الحکومة الاسلامیة , وبعبارة أخرى : لم یمنح الله تعالى هذا المقام الى شخص لیس مبسوط الید أبداً ؛ لعدم قدرته على إنجاز هذا التکلیف الالهی .

 وواضح أن بسط الید فی زماننا لا یتحقق إلا بمساندة الشعب للفقیه بآرائهم ؛ لذا یحظى الشخص بنفوذ الکلام وبسط الید حینما ینتخبه الخبراء المنتخبون بدورهم من قبل الشعب .

بناء على هذا , یخرج اعتبار آراء الشعب فی هذه المرحلة – أی الخطوة الأولى – عن هذا الحکم الالهی وشروطه , وتتحد المقبولیة والمشروعیة آنذاک .

2- أما بشأن انتخاب رئیس الجمهوریة , فبعد أن یصادق عدد من خبراء الدین (مجلس صیانة الدستور) على أهلیة المرشحین بصورة نهائیة , ثم یحصل أحدهم على أغلبیة آراء الشعب , فمن البدیهی أن ولی الفقیه یصادق على آراء الأکثریة ویقرها ؛ لأن شرط العدالة والتقوى رعایة مصلحة الناس عامة , ومما لاشک فیه أن مصلحة الدولة الاسلامیة تتجسد ببلوغ من یحظى بدعم شعبی أکبر الى رأس الحکومة , وإلا تعرضت عدالة الولی للخدش والتشویه , فهو لا یقوم بهکذا عمل قطعاً .

لقد ذکر القرآن الکریم عشرة أهداف لبعثة الأنبیاء والمرسلین تلتقی جمیعها بحفظ مصالح الأمم , ومن جملة ذلک أصل العدالة حیث اُشیر له فی الآیة الشریفة " لِیقومَ النّاسُ بالقسطِ " (1) , وأصل الحریات المشروعة التی وردت فی الآیة الکریمة :" ویضعُ عنهُم إصرَهُم والأغلالَ التی کانَت علَیهِم " (2) ؛ فمع کل ذلک هل یعقل أن ینسى ولی الفقیه احترام آراء الشعب المتجسد فیها مصلحة الأمة , وهو السائر على طریق الأنبیاء ؟

3- وأما ما یتعلق بانتخاب نواب الشعب لاستشارتهم فی أمور الدولة الاسلامیة , فمما لا یتطرق إلیه الشک أن ترک الشورى فی الظرف الراهن , بل فی أی زمان آخر , مخالف لغبطة ومصلحة المسلمین ؛ ومن جهة أخرى , فان عدم قبول آراء الشعب فی انتخاب ممثلیهم بعد إحراز أهلیتهم مخالف لمصالح المسلمین أیضاً , وعدالة وتقوى ولی الفقیه لا یسمحان له بعدم الاکتراث بهذه الآراء ؛ لذا فهو یقبل نتیجة تصویت الشعب أیاً کانت , والجمهوریة الاسلامیة لا شیء سوى ذلک .

من الطبیعی أنه کلما وصل الأمر الى طریق مسدود وعجزت أرکان الحکومة عن حل المشکلة , یمکن للولی أن یشمر عن ساعد الجد ویتخذ القرار المناسب لحل الأزمة وإنقاذ البلاد بعد التشاور مع مستشاریه المعتمدین .

وعلى هذا الأساس نرى أن الحکومة الاسلامیة " آراء الشعب " فی کافة المراحل المتعلقة بالقوى الثلاث , تخرج عن کونها اسلامیة صرفة بصفتها رکناً أساسیاً , والدستور الذی خُط بدماء شهداء الثورة , والذی حظی بتأیید الامام الراحل ( رحمه الله ) والأمة أیضاً یقول بذلک .

الآن , وبالنظر الى اتضاح هذه المسائل , نأمل أن ینقطع النقاش حول هذا الموضوع , وتختتم الأحادیث الضارة بالوحدة والتی تجعل العلماء الموالین للنظام الاسلامی یقفون بوجه بعضهم البعض وتخدم الأعداء أکثر من غیرهم , خصوصاً فی الظرف الراهن ونحن بأمس الحاجة الى رصّ الصفوف والتعاضد .

 


 

1.  سورة الحدید , الآیة 25.

2. سورة الأعراف , الآیة 157.
الوسوم :
captcha