السعي للتحلّي بمكارم الأخلاق

السعي للتحلّي بمكارم الأخلاق


كلّما كان حياء الإنسان أكثر فإنّ حالة التقوى فيه ستكون أكثر، وبالتالي فإنّ تلوّثه بالذنوب سيكون أقل، وكلّما كان الحياء في نفس الإنسان قليلاً فإنّ حالة التقوى ستكون عنده ضعيفة، وبالتالي فإنّ تلوّثه بالذنوب سيكون أكثر.‌

يقول الإمام الصادق(ع) :

«الْمَكارِمُ عَشْرٌ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ فِيك فَلْتَكُنْ فَإِنَّها تَكُونُ فِي الرَّجُلِ وَلاتَكُونُ فِي وُلْدِهِ وَتَكُونُ فِي الْوَلَدِ وَلاتَكُونُ فِي أَبيه، وَتَكُونُ فِي الْعَبْدِ وَلاتَكُونُ فِي الْحُرِّ؛

قيلَ: وَما هُنَّ؟ قالَ :

1. صِدْقُ الْيَأْسِ؛

2. وَصِدْقُ اللِّسانِ؛

3. وَأَداءُ الاَْمانَةِ؛

4. وَصِلَةُالرَّحِمِ؛

5. وَإقراءُ الضَّيْفِ؛

6. وَإِطْعامُ السّائِلِ؛

(ع). وَالْمُكافَأَهُ عَلَى الصَّنايِعِ؛

8. وَالتَّذَمُّمُ لِلْجارِ؛

(ص). وَالتَّذَمُّمُ لِلصّاحِبِ؛

10. وَرَأْسُهُنَّ الْحَياءُ»[1] .

 

إنّ كلّ واحدة من هذه الفضائل، والتي تعدّ بمجموعها مكارم الأخلاق، يستدعي بحثاً مطولاً ومفصلاً، وهنا نستعرض فقط بعض المسائل فيما يتعلّق بصفة الحياء «وهو رأس جميع هذه الفضائل»؛ لأنّ زوال ستار الحياء في عصرنا الراهن يعدّ من المشكلات المهمّة التي نواجهها في مجتمعنا.

وقد ذكر علماء الأخلاق في تفسير مفردة الحياء: «هو إنقباض النفس عن القبائح»[2] ، يعني أنّ الإنسان بواسطة الحياء يحفظ نفسه في مقابل ارتكاب الذنوب

والتورط في القبائح والرذائل، ونحن نشبّه الذنوب بالمستنقع وبمركز القمامة وأمثال ذلك، بحيث إنّ الإنسان عندما يصل إلى الذنب فإنّه يشعر بانقباض نفسه ويسارع في ترك هذه المنطقة والابتعاد عنها، فالإنسان الذي يعيش حالة الحياء هو الشخص الذي يشعر في نفسه بالنفور والامتعاض والانقباض في مقابل الذنب والمعصية، ويسارع في ترك هذا المكان والابتعاد عنه، وفي الحقيقة إنّ الحياة بمثابة الساتر والحجاب الذي يحول بين الإنسان وبين الذنب والتورط بالمعصية، وكلّما كان حياء الإنسان أكثر فإنّ حالة التقوى فيه ستكون أكثر، وبالتالي فإنّ تلوّثه بالذنوب سيكون أقل، وكلّما كان الحياء في نفس الإنسان قليلاً فإنّ حالة التقوى ستكون عنده ضعيفة، وبالتالي فإنّ تلوّثه بالذنوب سيكون أكثر.

إن تظاهر أفراد المجتمع بالذنوب يتسبّب في تمزيق حجاب الحياء بين الناس وشيئاً فشيئاً يعتاد الناس على رؤية الذنوب وارتكابها، ونتيجة ذلك زوال حالات النفور والانزجار من الذنوب وعدم الاستياء النفسي منها، وعندما تزول حالة النفور من الذنب والمعصية فسوف يمارس الإنسان الذنوب والرذائل بسهولة ولا يجد في نفسه أي قبح من هذا العمل، ومن هنا كانت العقوبة على التجاهر بالذنوب أشدّ من عقوبة الذنوب الخفيّة والمستورة[3] .

وعندما نرى أنّ الله تعالى يأمر في حدّ الزنا أن ينفّذ بحضور جماعة من المؤمنين[4] ، فذلك بسبب أنّ المرتكب لهذا الذنب قد مارسه بشكل علني وأمام مرآى الناس وبذلك يسهم في تمزيق ستار الحياء والعفّة في فضاء المجتمع، وعندما يحكم الإسلام على هذا الشخص بالعقوبة العلنيّة وأمام الملأ فذلك بدافع ترميم ستار الحياء المشقوق، وعلى ضوء ذلك لا ينبغي إجراء الحدّ على هذا الشخص بصورة خفيّة وبعيداً عن أنظار المجتمع.

وللأسف نرى في عصرنا وزماننا هذا أنّ الفضائيات وشبكة الانترنيت، والأفلام الخليعة، وأجهزة الإعلام الفاسدة والمفسدة، والكتب والمجلات المنحرفة والمضلّة كلّها تساهم في تمزيق حجب الحياء والعفّة في أجواء المجتمع الإسلامي، وعندما يرتفع حجاب الحياء من فضاء المجتمع وسوف تكون ممارسة الذنوب والمعاصي عادية وطبيعيّة.

وهكذا نرى أنّ الإسلام قد طرح مثل هذه المسائل بحساب دقيق وقرن القيم الأخلاقيّة بالمسائل النفسانيّة في تعاليمه وتوصياته الأخلاقيّة، لأنّه لو لم يتمّ الأخذ بنظر الاعتبار المسائل الدقيقة في المجال النفساني فإنّ المسائل الأخلاقيّة سوف لا تجد لها مجالاً للتحقّق والتجسد في أرض الواقع الاجتماعي واللافت أنّ الإسلام عندما بيّن هذه الأمور وطرح هذه التعاليم الدقيقة، لم يكن ثمّة خبر عن علم النفس ولا أثر عن الدراسات النفسانيّة المتوفّرة في هذا العصر.

 

[1] . أصول الكافي، ج 2، ص 55، باب المكارم، ح 1.

[2] . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 19، ص 27، شرح الحكمة 219.

[3] . اُنظر: ميزان الحكمة، ج3، ص 1331، الباب 1365.

[4] . تدلّ الآية الثانية من سورة النور على هذا الأمر. ويقول: (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ).

captcha