انطلقت صباح اليوم الخميس المصادف 28/1/2016 أعمال المؤتمر الدولي الثاني حول التصدي لمخاطر التيارات التكفيرية والمتطرفة في العصر الحاضر برعاية سماحة المرجع الديني آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله الوارف) في مدينة قم المقدسة.
ويشارك في هذا المؤتمر العديد من مفكري وعلماء وسفراء العالم الإسلامي، بغية تحقيق جملة من الأهداف ومنها: تبيين وترويج الفكر الإسلامي المعتدل، اشاعة ثقافة التعايش السلمي، معرفة ودراسة ونقد الفكر التكفيري والمتطرف بمنهجية علمية، التوعية وبيان مخاطر وتداعيات الفكر التكفيري والمتطرف على مختلف الصعد، ترسيخ الاتحاد والانسجام بين علماء الإسلام، اتخاذ مواقف دولية ضد الفكر المتطرف والافراطي، البحث عن سبل الخروج من أزمة التكفير، ضرورة مأسسة التصدي العلمي للتيارات التكفيرية المنحرفة، والسبل الكفيلة بإرساء دعائم المجتمع المنشود.
يشار إلى أن هذا المؤتمر يقام في مركز النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله) للمؤتمرات الدولية، الواقع في مدينة قم المقدسة، بلفار معلم الجنوبي، مجمّع ومدرسة الامام الكاظم(عليه السلام).
جدير بالذكر أن المؤتمر الأول لمواجهة خطر التيارات التكفيرية والمتطرفة عقد في العام المنصرم، وذلك بتمثيل واسع لعلماء الأمة الإسلامية ومشاركة ما يربوا عن علماء 80 دولة.
****
رئيس الأمانة العامة للمؤتمر سماحة الشيخ الدكتور حكيم الهي يقدم تقريراً مفصلاً عن نشاطات الامانة في العام المنصرم، ومن جملة هذه النشاطات:
ـ انعقاد خمسة ملتقيات علمية أقيمت خارج الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وذلك بحضور الشخصيات العلمية بغية التصدي الفكري والعلمي للفكر التكفيري، وكذا اقامة 13 ملتقى علمياً داخل الجمهورية الإسلامية بهدف تسليط الضوء على جذور التيارات التكفيرية.
ـ اعداد 830 مقالاً بقلم علماء العالم الإسلامي وطبع ونشر المقالات المنتخبة في خمسة مجلدات، تأليف وطبع ما يربوا عن 40 كتاباً باللغات الفارسية والأردية والعربية، انتاج برنامج مبرمج يضم جميع آثار المؤتمر بالتعاون مع مركز النور التقني، اقامة ورشات تتناول التيارات التكفيرية وجذورها والرد على الشبهات التي تطرحها هذه المدرسة المتطرفة.
ـ انتاج أكثر من 30 مقطعاً فيديو كليبياً و1300 دقيقة برنامجاً تلفزيونياً بخمس لغات، واعداد اكثر من 300 دقيقة من الأفلام الوثائقية، وانتاج 78 برنامجاً تلفزيونياً بخمس لغات، التواصل الواسع مع وسائل الاعلام الداخلية والدولية، تأسيس موقع الكتروني علمي خبري لإمانة المؤتمر، والحضور الفاعل في شبكات التواصل الاجتماعي.
ـ التواصل مع أكثر من 2000 شخصية علمائية بارزة في مختلف الدول الإسلامية، تزويد مراكز البحث العالمية والعلماء بالمنشورات المعنية، التواصل مع المؤسسات والمراكز العلمية والثقافية الدولية، عقد لقاءات بالعديد من الشخصيات العلمية البارزة في العالم الإسلامي.
ـ هذا وأعرب رئيس أمانة المؤتمر عن استعداد الأمانة للتعاون مع جميع المراكز والمؤسسات العلمية والبحثة والشخصيات العلمائية مؤكداً على ترحيب الامانة بجميع الاقتراحات التي تصب في انجاح مهمةة التصدي للتيارات التكفيرية والمتطرفة.
*****
سماحة المرجع الديني آية الله العظمى مكارم الشيرازي يلقي كلمته بالمؤتمر، وقد جاء فيها:
قبل کل شيء٬ أجدُ لِزاماً أن أضع أمامکم بعض الملاحظات الضرورية:
أوّلاً: إنّ مؤتمرنا هذا ذو صفة علمية بحتة ولا علاقة له بالسياسة، لذلک فالقضايا السياسية تقع خارج دائرة اهتماماته.
ثانياً: إنّنا نعلن ونؤکّد احترامنا التام لمقدسات جميع المذاهب الإسلامية، وهذا مبدأ ثابت لا مَحيدَ عَنه.
ثالثاً: إنّنا نسعى من وراء عقد هذا المؤتمر أن نصيب هدفين اثنين بإذن الله:
الهدف الأول، تسليط الضوء بشکل أکبر على جذور الأفکار التکفيرية، ومن ثَمَّ تَفنيدُها بالأدلة المنطقية والعلمية، لِئَلّا يَنْخَدِعُ الشباب الأغرار بأقوال أمراء الحروب من زعماء التيارات التکفيرية فيلتحقوا بصفوفهم.
والهدف الثاني هو، أن يُعلن علماء الإسلام بصوت واحد براءتهم من التيارات التکفيرية، ويطهّروا ذمة الإسلام ممّا عَلِقَ بها من شوائب الأفکار التکفيرية.
وأضاف سماحته: انطلاقاً من هذا، فإنّنا نعلن لجميع شعوب العالم: إنّ الإسلام الذي جاء به الحبيب المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو هذا الإسلام الذي تجدونه في هذه المؤتمرات، وليس ما يقوله ويفعله الضالّون التکفيريون الجاهلون بحقيقة الإسلام. وإنّ حجم الأضرار التي تسبّب بها هؤلاء القوم الضالّون وشجرة التکفير الملعونة، للإسلام والمسلمين هي أبعد ممّا يتصوّره العقل. فهم دمروا المساجد وأضرحة عظماء الإسلام والآثار التاريخية، وتعاونوا مع الجهات المعادية للإسلام مثل إسرائيل وبعض البلدان الغربية، وتلقّي الدعم والمساعدات منها من أجل تهديد البلدان الإسلامية والقضاء عليها. كما ارتكبوا المجازر بحق الأقليات غير المسلمة في العراق وسورية ونيجريا التي لم تدخل في أيّ صراع أو قتال ضدّ المسلمين، بل على العكس٬ کانت على الدوام تتعايش مع المسلمين بأمن وسلام. فضلاً عن أَسْرِ نساء الأقليات وبيعهنّ في أسواق النَخاسَة، وهي وصمة عار أخرى طبعها هؤلاء التکفيريون على جبين الإسلام والمسلمين. ربّما يقارن البعض بين هؤلاء وبين فرقة الخوارج في صدر الإسلام٬ فيعتبر أنّ التكفيريين والدواعش وأمثالهم هم في الحقيقة خوارج عصرنا٬ ونحن نقول لهم٬ أبداً٬ ليس الأمر كذلك٬ فالخوارج لم يرتكبوا مثل هذه الجرائم في عصرهم مطلقاً. لم يوقعوا هذا الحجم الهائل والمرعب من الإبادة والخراب٬ لم يدمّروا المساجد وأضرحة عظماء الدين٬ لم يُقْدِموا على بيع النساء غير المسلمات في سوق النَخاسَة٬ وأخيراً لم يشرّع الخوارج العمل الشنيع المسمّى «جهاد النكاح».
هذا وأكد سماحته على النقاط التالية:
- من الأهمية بمكان أن نبيّن بأنّ عداء التكفيريين وحقدهم لا ينصبّ على الشيعة وأتباع أهل البيت (عليهم السلام) وحدهم٬ وإنّما يشمل جميع المذاهب الإسلامية التي تعارض عقائدهم الضالة والمنحرفة أيضاً٬ حيث يكفّرونهم جميعاً٬ ويستبيحون دماءهم وأموالهم. كلنا يعلم أنّ الوهابيين بعد استيلائهم على مكة والمدينة في معركة دموية٬ نشروا وثيقة وأجبروا جميع علماء أهل السنّة في تِينَكِ المدينتين على توقيعها. واعترف أولئك العلماء مكرهين على أنّ توحيد محمد بن عبد الوهاب هو التوحيد الخالص٬ وأنّ أهالي مكة والمدينة ومصر والشام وسائر البلدان الإسلامية كانوا كفاراً ومشركين حتى ذلك اليوم٬ وأضافوا: «إنّه الكفر المبيح للدم والمال والموجب للخلود في النار». إنّنا نقول٬ بأنّ الوهابيين كانوا٬ على أقل تقدير٬ جاهلين عن مسألة إسلامية مسلّم بها وهي إنّه حتى لو افترضنا جدلاً أنّهم كانوا مجتهدين٬ فأنّى للمجتهد أن يفرض اجتهاده على الآخرين٬ فضلاً عن فرض شخص واحد عقيدته واجتهاده على جميع مجتهدي مكة والمدينة.
إذن٬ نستنتج بناءً على هذا٬ أنّهم يكفّرون جميع مسلمي البلدان الإسلامية وليس الشيعة فقط٬ ذلك التكفير الذي يبيح دم الإنسان وماله، وهو بمثابة إعلان حرب ضدّ جميع شعوب الدنيا وكل من لا يعتنق المذهب الوهابي.
- إنّ أصل التكفير عبارة عن خطأ جسيم يرتكبه التكفيريون في مسألة التوحيد والشرك٬ وهذا الخطأ في تفسير مسألة التوحيد من منظار القران الكريم والسنّة المطهرة أدّى بهم إلى هاوية تكفير جميع المسلمين. يعتقد هؤلاء أنّ كل من توسّل بالأنبياء والأولياء وعظماء الدين ورفع حوائجه إليهم في إطار الاستشفاع بهم عند الله يعتبر مشركاً وكافراً٬ متناسين أنّ للكفر معانٍ عديدة.
أريد هنا أن ألفت عنايتكم أيّها الأعزاء إلى فقرة وردت في كتاب الدرر السنّية (أعني الدرر السنية في أجوبة المسائل النجدية وهو من أشهر المصادر الوهابية ويجمع بين دفتيه جميع رسائل محمد بن عبد الوهاب وعلماء الوهابية). جاء في صفحة مائة وأربعة وأربعين من الكتاب المذكور نقلاً عن محمد بن عبد الوهاب ما يلي:
«و أمّا الذي أنكرناهُ عليهم، وكفّرناهُم به، فإنّما هو: الشرك بالله، مُثْلَ أنْ تدعو نبياً من الأنبياء، أو مَلَكاً من الملائكة، أو تنحر له، أو تَنْذِرَ له، أو تعتكف عند قبره، أو تركع بالخضوع والسجود له، أو تطلب منه قضاء الحاجات، أو تفريج الكربات؛ فهذا شرك قريش، الذي كفّرهم به رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) وقاتلهم عند هذا».
نتبيّن من هذا أنّ جميع الأمور أعلاه هي أسباب تجوّز استباحة دماء المسلمين٬ في حين أنّنا نعرف أنّ هذا كله ضلال وافتراء. لم يفقه هؤلاء القوم هذه العقيدة الإسلامية وهي أنّ الشرك يعني أن نجعل لله ندّاً٬ يعني الإيمان بإله غير الله يدير عالم الوجود٬ إله غير الله يرزق ويشفي.
أمّا من يتوسّل بالأنبياء وأئمة الدين كي يشفعوا له عند الله فيقول مثلاً: يا رسول الله اشفع لي عند الله ليشفي هذا السقيم٬ أو أن يُنهي هذه الحرب المدمرة٬ أو أن يُرجع هذا المسافر إلى أهله سالماً٬ هذه الأقوال هي عين التوحيد وجوهره٬ بل إنّها تأكيد على التوحيد٬ وذلك لأنّ المحور الرئيسي فيها هو التوجّه إلى الذات الإلهية المقدسة.
ولنا في القرآن الكريم خير دليل ومثال٬ فقد ورد على لسان السيد المسيح(عليه السلام) في الآية التاسعة والأربعين من سورة المائدة المباركة قوله: ﴿ وأُبْرِءُ الأَكْمَهَ والأَبْرَصَ وأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ﴾. يقيناً أنّ من يدّعي هذا الادّعاء٬ فلا ينتظرنّ من الناس إلّا أن يطلبوا منه هذه الحوائج. فهل كان السيد المسيح (عليه السلام) يدعو الناس إلى الشرك٬ وكان الناس كلهم مشركين؟
منذ ألف وأربعمائة سنة وحتى اليوم يكنّ الناس احتراماً عظيماً لمقابر عظماء الإسلام٬ ويأتون إلى زيارتهم من كل فجّ عميق٬ ويستشفعون بمقام أصحابها عند الله ليقضي لهم حوائجهم٬ فهل كان المسلمون طيلة الألف وأربعمائة سنة التي مرّت كفاراً٬ وكانت دمائهم وأموالهم مستباحة؟ هل من عاقل يقول هذا الكلام؟ أليست هذه خرافات وخزعبلات؟
هذا وأشار سماحته في ختام كلمته إلى مجموعة من المقترحات والاستنتاجات والتوصيات، منها:
- أنّ آفة التكفير هي أخطر تهديد يواجه العالم الإسلامي اليوم بل والإنسانية جمعاء٬ والجميع يعترف بعدم كفاية الحل العسكري والأمني لوحده٬ إذ لا بدّ من اللجوء إلى جانب ذلك إلى الآليات الثقافية والفكرية والإعلامية من أجل قطع دابر التكفير واقتلاعه من جذوره٬ وهي مهمة العلماء والمفكرين في العالم الإسلامي الذين ينبغي لهم التصدّي لمخاطر الأفكار التكفيرية والقيام برسالتهم على أكمل وجه عبر إلقاء الحجج والبراهين٬ وليعلموا أنّ النشاطات السياسية والعسكرية والاقتصاية لن تُؤْتي ثمارها ما لم تَقترِن بالجهود الثقافية والتَوْعَوية لعلماء الإسلام٬ وخصوصاً أنّنا نشهد في كل يوم التحاق أعداد جديدة من الشباب بهذه الجماعات الخطرة.
- أدعوا علماء الوهابية في المملكة العربية السعودية إلى أن يجتمعوا قبل فوات الأوان ويبادروا إلى تصحيح كتبهم ومناهجهم الدراسية من خلال حذف الأفكار والآراء التي تدعو إلى تكفير المسلمين٬ وأن يكفّوا بشكل نهائي عن تكفير أهل القبلة الذين أكّد الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على إسلامهم٬ وأطالبهم بإلغاء التعاليم التكفيرية التي تعجّ بها مدارسهم الدينية بأسرع وقت وأن يصدروا بيانات يدينوا فيها التكفير بشكل تام. وأدعوهم أيضاً إلى تطهير مكتباتهم من هذه الكتب الضالة.
- كما وأطالب الزعماء السياسيين في جميع بلدان العالم ممارسة الضغوط على البلدان التي تقدّم الدعم المالي والسياسي للجماعات التكفيرية ومقاطعتها٬ لأنّه عاجلاً أم آجلاً سوف ينتقل داء التكفير إلى بلدانهم كما بدأت آثاره بالظهور.
- أدعو سفراء البلدان الإسلامية ووسائل الإعلام المحلية والأجنبية إلى نقل رسالة هذا المؤتمر والمؤتمرات السابقة التي عُقدت في إيران وبعض المناطق الأخرى إلى بلدانهم وإلى جميع أنحاء العالم٬ فكفانا قتلاً وتدميراً وانعداماً للأمن في هذا العالم. إنّ النشاطات التكفيرية في بلدنا نادرة الحدوث٬ ولله الحمد٬ لكنّنا مع ذلك٬ نجد من واجبنا بذل جهود حثيثة من أجل خير العالم الإسلامي والإنسانية برمّتها.
- يجب أن نأخذ بجدية أكبر مسألة التصدّي الثقافي والفكري للتيارات التكفيرية٬ ومن هذا الباب نقدّم اقتراحاً مهماً في هذا المجال ألا وهو تأسيس قناة فضائية تبثّ بعدّة لغات حية وتكون رسالتها مواجهة ظاهرة التكفير الخطيرة فكرياً وعقلانياً بغية تطيهّر أذهان الشباب المسلم من فايروس التكفير. كما يجب تعرية الجوهر الحقيقي للشعارات البراقة لهذه الجماعات مثل «الهجرة والجهاد والشهادة» كيما يطّلع الجميع على مكنوناتها٬ للحؤول دون استغلالها لهذه المفاهيم المقدسة. وإنّنا هنا نعلن عن استعدادنا التام لتحمّل مسؤوليتنا والمشاركة في تأسيس هذه القناة.
- إنّنا في هذه الظروف العصيبة نعتبر أيّ تأجيج للخلافات المذهبية بين المسلمين بمثابة خطيئة كبرى٬ إذ يجب على المسلمين أن يحترموا مقدسات بعضهم البعض٬ وإذا كان بعض العملاء لأعداء الإسلام يعتبر أنّ مسؤوليته توجيه الإساءات وازدراء مقدسات المسلمين٬ فيجب نبذه وعزله والبراءة منه٬ فهؤلاء إمّا أقلية ضئيلة وجاهلة٬ وإمّا عملاء يتصرفون بنحو يخدم الأعداء.