کان الشهید مفتح من اصدقائی المقربین، وعرفته رجلاً نشطاً وعالماً فی الفقه والعلوم الإنسانیة وفعالاً فی ساحات الثورة الإسلامیة، ولذا أقدم الأعداء على قتله علماً منهم بهذا الموضوع وبهدف ازاحة العناصر الفعالة فی الثورة من الواقع الاجتماعی والسیاسی.
واضاف سماحته ضمن الاشارة إلى الارتباط الوثیق والقدیم بین الحوزة والجامعة:
إذا عدنا إلى الوراء لرأینا أن الحوزة والجامعة، أی علماء الدین وعلماء العلوم الاُخرى کانوا یدرسون العلوم تحت سقف واحد، مثل الخواجة نصرالدین الطوسی الذی کان عالماً فی الدین بشهادة آثاره العلمیة، وکذلک کان عالماً بالعلوم الجدیدة بشهادة المرصد الذی نصبه لرصد النجوم، ومثل الشیخ البهائی الذی کان عالماً دینیاً بشهادة «التحفة العباسیة» وغیرها، وعالماً بالعلوم الطبیعیة والعقلیة کالریاضیات، وهکذا مثل ابن سینا وغیره من هذا القبیل، ولکن تدریجیاً، وبسبب تنامی العلوم وتوسعتها انفصل أهل التخصص فی کلّ علم على حده، وهذا الانفصال لا یعنی التقابل والتضاد، ولکن الأعداء سعوا فی إیجاد هذه التقابل بینهما، وبذلک قسموا تاریخ البشریة إلى أربع مراحل: (مرحلة الخرافة والاسطورة، الدین، الفلسفة، العلم)، ومن خلال هذه التقسیم الشیطانی سعوا بمکر بالغ إلى القاء هذا المفهوم فی الأذهان بأنّکم إذا أردتم أن تکونوا علماء فی العلوم الطبیعیة علیکم أن تترکوا الدین، وإذا أردتم الدین فعلیکم ترک الجامعة.
هذه الالقاءات والتبلیغات کانت بسبب أنّهم رأوا أنّ وجود الدین إلى جانب العلوم الاُخرى یهدد منافعهم ویعرضها للخطر، ولذلک أکّدوا على هذه المسألة لکی یخلقوا حاجزاً بین الحوزة والجامعة.
وأضاف سماحته مشیراً إلى أنّ الحوزة والجامعة أو العلوم الإسلامیة والعلوم الجدیدة لا یمکن أن یقع الانفصال بینهما وقال:
إنّ دلیلنا على ذلک هو أنّ قسماً کبیراً من الآیات القرآنیة التی تتعلق باصل التوحید فی القرآن الکریم یتناول البحث فی العلوم الطبیعیة من قبیل (إنّ الله خلق السموات والأرض واختلاف اللیل والنهار لآیات لاولى الألباب)(1) (وفی خلقکم وما یبثّ من دابة آیات لقوم یوقنون)(2).
إنّ دلائل التوحید تدور حول محور العلوم الطبیعیة، فکیف یعقل الانفصال بین الحوزة والجامعة؟ ولو أنّ جمیع العلوم الطبیعیة تلقى من منظار دینی لأضحت جمیعها دروساً فی التوحید ومعرفة الله، ولا یعقل انفصال هذین الأمرین.
لقد تحرک الأعداء کثیراً من موقع إیجاد الانفصال هذا، ولکنهم لم یفلحوا، وعلى سبیل المثال رأینا أنّهم فی الاتحاد السوفیتی قالوا لمدة سبعین عاماً بأنّ عمر الدین قد انتهى، ولکن بعد موت الاتحاد السوفیتی وانتهاء الحکومة الشیوعیة عاد الدین کما کان علیه وأمتلأت المساجد والکنائس بالمصلین.
وقال سماحته فی ختام کلامه:
البعض یحاولون إیجاد الفرقة بین هذین الرکنین للعلم وتوهین دعائم النظام الإسلامی من خلال هتافات ضد بعض رموز النظام والمسؤولین والقانون الإساسی والدین وتضخیم هذه العملیة بواسطة الابواق الاذاعیة، ولکن الواقع أنّهم مخطئون فی تصورهم، ولا ینبغی علینا أن نتردد أو نحجم، لأنّ ارکان النظام قویة إلى درجة أنّها لا تهتز بمثل هذه التهدیدات، فالناس الذین یحضرون فی محرم ورمضان إلى المساجد هم جنود النظام، ونرجوا أن یتحد الطلاب الأعزاء ویضعوا یداً بید ویسعوا لإعمار البلاد والدولة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. سورة ال عمران، الآیة 160.
2. سورة الجاثیة، الآیة 1.