سأل شخص من الإمام الصادق(ع) :
«بِأَيِّ شَيْءٍ يُعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ؟ قالَ: بِالتَّسْليمِ لِلّهِ وَالرِّضا فيما وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ سُرُورٍ أَوْ سَخَطٍ»[1] .
فهذا الرجل يسأل من الإمام(ع) عن علامات المؤمن، ويجيبه الإمام(ع) بأنّ المؤمن هو الذي يسلّم أمره لله فيما يواجهه من حوادث في حياته ويكون راضياً بما ورد عليه من حوادث حسنة أو سيّئة، سواءً جلبت له تلك الحوادث السرور والفرح أو تسبّبت في غضبه واستيائه.
الصعوبات غير قابلة للاجتناب
إنّ حياة الإنسان ممتزجة، شاء أم أبى، بأنواع الصعوبات والمشكلات والحوادث الحلوة والمرّة، بحيث لا يمكن لأي الإنسان أن لا يواجه أي مشكلة طيلة سنوات حياته وعمره، سواءً كانت مشكلات بدنيّة، روحيّة، فرديّة، اجتماعيّة، عائليّة، اقتصاديّة، سياسيّة اجتماعيّة طبيعيّة، أنواع الأمراض والحوادث الطبيعيّة أمثال الزلزلة والسونامي والحروب والجفاف والقحط وأمثال ذلك، فمثل هذه الحوادث قد تعرض على كلّ إنسان في فترات من حياته وتعتبر من لوازم حياة الإنسان في هذا العالم.
وفي الأشهر الأخيرة[2] سمعنا بفوران بركان في ايسلندا، الذي أثر على جميع اوربا بحيث أنّ انتشار الرماد المنبعث من هذا البركان وصل إلى مسافات بعيدة جدّاً وتعطل آلاف المسافرين عن السفر في مطارات تلك البلدان وتسبّب في تعطيل الطيران تماماً، والعجيب أنّه لا أحد استطاع منع مثل هذه الحوادث، فالزالزل أحياناً تكون بشدّة وقوّة بحيث تتبدّل مدينة عامرة إلى تراب وأنقاض في لحظات، بل أحيانآ لا يبقى أي أثر من تلك المدينة التي كانت عامرة قبل قليل، وهناك بعض القرى وبسبب حدوث زلزلة اختفت من الوجود وفتحت الأرض فمها وابتلعت تلك القرى وأطبقت عليها بما فيها من أحياء وبشر وصار مكان هذه القرى قاعاً صفصفاً، وأحياناً تحدث الزلزلة في أعماق البحار وتخلق أمواجاً في البحر وتتبدّل هذه الأمواج إلى ظاهرة السونامي المعروفة وتنطلق الأمواج إلى السواحل لتهلك الحرث والنسل وتهدم جميع العمارات والقصور والأمواخ في تلك المناطق، وهنا يجب على المؤمن في مقابل هذه الحوادث أن يرفع لواء التسليم والرضا بقضاء الله وقدره.
الوقاية من المشكلات التي من صنع الإنسان
طبعاً ثمّة بعض المشكلات والحوادث ناشئة من عمل الإنسان وسوء اختياره وتدبيره، مثل أن يتكاسل الطالب عن دراسته وعن مراجعة دروسه فتكون النتيجة سقوطه في الامتحان، أو أن يدخل الطالب إلى قاعة الامتحان بدون استعداد كافٍ للامتحان، وبالتالي لا يحصل على درجة جيدة في هذا الدرس، أو أن يضع شخص أمواله وثروته بيد شخص آخر بدون أخذ ضمانة كافية ومدرك معتبر في مقابل هذه الأموال، وبالتالي ربّما يقوم ذلك الشخص بانتهاز الفرصة وسرقة هذه الأموال والغدر بشريكه، فالتسليم والرضا في مقابل مثل هذه الحوادث التي تكون من صنيعة الإنسان نفسه، لا معنى له ولا يترتّب أجر وثواب على الرضا بهذه الحادثة والتسليم لها، بل إنّ الدعاء لرفع هذه الحادثة لا يكون مؤثراً ولا يكون مستجاباً، ولذلك نقرأ في رواية أنّ دعاء عدّة أشخاص لا يستجاب لهم:
«الرَّجُلُ جالِسٌ فِي بَيْتِهِ يَقُولُ يارَبِّ ارْزُقْنِي، فَيَقُولُ لَهُ: الَمْ آمُرْك بِالطَّلَبِ؟! وَرَجُلٌ كانَتْ لَهُ امْرَأةٌ فَدَعا عَلَيْها، فَيَقُولُ: أَلَمْ أَجْعَلْ أَمْرَها بِيَدِك؟! وَرَجُلٌ كانَ لَهُ مالٌ فَأَفْسَدَهُ، فَيَقُولُ: يارَبِّ ارْزُقْنِي، فَيَقُولُ لَهُ: أَلَمْ آمُرْك بِالاْقْتِصادِ... وَرَجُلٌ كانَ لَهُ مالٌ فَأَدانَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَيَقُولُ: أَلَمْ آمُرْك بِالشَّهادَةِ؟!»[3] .
الخلاصة، أنّ حالة التسليم والرضا تتعلّق بالحوادث غير القابلة للتوقّع وخارجة عن دائرة اختيارتنا وإرادتنا وبالتالي تستدعي الصبر والتسليم والرضا في مقابل مثل هذه الحوادث، ويترتّب على هذه الحالة من التسليم والرضا والصبر الثواب الإلهي الجزيل ويعدّ الصبر عليها والتسليم والرضا بها من علامات الإيمان، فلو أنّ الإنسان لم يستشعر الرضا والتسليم في مقابل هذه الحوادث فربّما يتعرّض إيمانه للاهتزاز والزوال، كما أنّ بعض المسلمين في مواجهتهم لمشكلة معيّنة أو حادثة أليمة أو في مقابل عدم استجابة دعائهم نراهم يتركون صلاتهم وصومهم ودعاءهم وبكلمة واحدة، يفقدون اعتقادهم بالله تعالى ولا يرضون بما قدّر الله لهم في حياتهم.
وعلى ضوء ذلك، فإنّ حالة التسليم والرضا لها دور هام في تقوية إيمان الفرد بحيث إنّ الإنسان المؤمن بدون هذه الحالة من الرضا والتسليم لا يكون مؤمناً، وما أكثر الأشخاص المؤمنين الذين كانوا يصلّون صلاة الليل ويتهجّدون في أوقات السحر ولكنّهم بسبب عدم امتلاكهم لمقام التسليم والرضا رحلوا من هذه الدنيا بإيمان متزلزل وعقيدة مهزوزة.