فی هذا الوقت القصیر أجد من الواجب تبیین بعض النقاط لکم:
1- نحن نعتقد أن الاسلام دین عالمیّ و خالد، عالمیّ بمعنى عدم إختصاصه بمنطقة خاصة فشرق العالم و غربه و شماله و جنوبه تحت لواء القانون الاسلامی; و خالد لأنّه باق الى آخر الدنیا، لذا یجب على الاسلام أن یجیب على أسئلة الجمیع فی کلّ زمان و مکان الآن و فی المستقبل، إذا إدّعینا ذلک و لم نستطع إثباته فی جمیع المجالات فسوف نواجه مشکلةً، بناءاً على ذلک یجب علینا أن نخطط بطریقة نستطیع معها إیصال محتوى الاسلام الى جمیع العالم.
فی مقابل الأعداء الذین یرون الاسلام مزاحماً، أعداء یعتبرون الاسلام دین الاستقلال و یحارب التبعیة لهم، فالأعداء الذین یریدون کسب منافع دول العالم و یرون الاسلام مزاحماً لهم یلقون شبهة أنّ الاسلام لا یملک الکفاءة لمجاراة العصر الحالی، فعندما تحدّث بعضهم فی زمن الامام الراحل (قدس سره) بشأن مسألة الحدود غضب الامام و صفعهم صفعةً لازالت آثارها باقیة الى الآن. إذن لو لم نجب نحن فالتقصیر من ناحیتنا، نحن لا نقول فقط أنّ الاسلام یملک الجواب على کل شیء بل یجب أن نقول أنّ الاسلام یملک الجواب الافضل من أجوبة الآخرین، و عملکم هذا نموذج على ذلک کما سنشرح ذلک.
وأضاف سماحته بشأن ضرورة وجود فِرق لحلّ الاختلاف:
کثر فی زماننا إحتکاک الناس ببعضهم; یقول البعض أصبحت الدنیا کالقریة الصغیرة، و یقول البعض الآخر أکثر من ذلک أی أصبحت کالبیت، و الآن نحن نرى أنّها أصبحت کالغرفة یرتبط بعضها بالبعض الآخر، ففی هکذا عالم حیث کثرت الإحتکاکات و ازدادت الأضابیر طبعاً، یجب علینا أن نثبت أنّ القضاء الاسلامی و أجهزته ذات کفاءات تفوق أجهزة القضاء الأخرى و بإمکاننا إثبات ذلک. الجهاز القضائی السلیم هو الذی یعمل بصورة صحیحة و یتمتع بسرعة عمل جیدة، و نحن لدینا الأدلة على تمتع جهاز القضاء الاسلامی بالعمل الصحیح و السرعة المناسبة، ولا یمکنکم أن تجدوا ذلک فی أجهزة القضاء الأخرى فی العالم.
فی مرافعة للإمام علی(علیه السلام) مع أحد المدّعین، قال المدّعی: أرضى بالقاضی المنصوب من قبلک، ووقف الاثنان أمام القاضی، قال القاضی: یا أبا الحسن جنب صاحبک أرید أن أحکم بینکما، فقال علی(علیه السلام): لقد بدأت الظلم منذ الآن، فقال: وکیف، قال الامام(علیه السلام): قلت یا أبا الحسن وکان یجب أن تقول یا علی لأنّ أبا الحسن کنیة و تعبّر عن الإحترام، عندما یقف شخصان فی مرافعة لا یجب إحترام أحدهما أکثر من الآخر، فکان یجب أن تقول: یا علی قف جنب صاحبک; أین یمکن وجود مثل هذه الدقة و الظرافة فی قوانین العالم القضائیة؟
لقد جاء فی الاسلام أنّ القاضی لا یحق له قبول هدیة من شخص، ولدینا فی دستور القضاء الاسلامی لا یذهب القاضی بنفسه الى السوق لشراء ما یحتاج، أیّ القوانین یقول ذلک؟ أی یجب أن یکون للقاضی خادم، مع أنّ الاسلام دین البساطة لکنّه یأمر هنا بوجوب وجود خادم للقاضی، وذلک لأنّه من الممکن أن یراعی الشخص البائع القاضی فی الأسعار لاحتمال أن یحتاج القاضی مستقبلا فیصبح القاضی مدیناً لذلک البائع، لأجل ذلک یقول الاسلام لا تشترِ من شخص مباشرةً، أین تجدون هکذا أوامر فی أجهزة القضاء العالمیة بهذه الدقة و هذه الظرافة؟ لدینا نماذج کثیرة من ذلک و نستطیع أن نکون الأکثر تفوقاً فی المسائل القضائیة.
إعتبر سماحته أنّ مجالس حلّ الإختلاف و فظّ النزاع من برامج الجهاز القضائی و قال:
أحدها مجالس حلّ الإختلاف هذه حیث یجب علینا أن نتأمل أکثر بهذا الشأن، هل یستطیع الآخرون تشکیل لجان لحلّ الاختلاف؟ کلا، وإذا شکّلوا فسیکون عملها وکفاءتها قلیلةً جداً، تحتاج مجالس حلّ الاختلاف الى دعم مذهبی و عقائدی فلمّا یأتون الى هذه المجالس تستعمل بدورها عقیدة الایمان بالله و الیوم الآخر، تختصّ مجالس حلّ الاختلاف بالمجتمعات الدینیة ذات العقیدة و المتمسکة بمذهب و نحن نستطیع أن نملک ذلک.
و أضاف سماحته مشیراً الى النقطة الثانیة:
2- إحدى النقاط المهمة التی لا تُبدى بها أیّ أهمیة هی أنّه عندما یقول المتخاصمان مالدیهما فى الجهاز القضائی و یحکم القاضی بینهما، لا تنتهی العداوة و البغضاء بین هذین الشخصین فی الباطن، و تبقى الأمور النفسیة بلا حلٍّ، بل سوف تخلق مشکلة أخرى، وسوف یصبح المحکوم علیه کارهاً للقاضی و الجهاز القضائی، فتتولد عداوتان بدل العداوة الواحدة، و یبقى الاثنان على عدائهما و خلافهما بما یملکان من ذهنیات حتى فی المستقبل، وأحیاناً یقول المحکوم علیه لم أستطع بالطرق القانونیة إذن یجب أن أنتقم، لکن ما هی وظیفة مجلس حلّ الاختلاف؟
یجب أن تصفّی و تنقّی قلوب أولئک، وعندما یخرجون یحصل صلحان، فیتصالحان بینهما من جهة ومع المجلس من جهة أخرى، و هذا له قیمة عالیة جداً، و أنتم السائرون فی هذا الطریق إلتفتوا الى مارزقکم الله تعالى من افتخار کبیر، أسجدوا شکراً له لما حمّلکم من مسؤولیة فلدینا روایة تقول: «أجر المصلح بین الناس کالمجاهد فی سبیل الله»، لماذا شبّهه بالمجاهد؟ لأنّ المجاهد فی سبیل الله یذهب الى میادین القتال و یسبّب العزة و الشرف للاسلام کما یسبّبها الاصلاح بین الناس، و رسالة علی(علیه السلام) من على سریر الشهادة لهذا الیوم هی إصلاح ذات البین.
و ضمن إشارته الى قصة النبی موسى مع الخضر(علیهما السلام) إعتبر سماحته التوفیق للعضویة فی مجلس حلّ الاختلاف أجراً لأعمال غیر الأعضاء فیه و قال: الله حکیم، و الحکیم لا یهبکم هذا الافتخار بلا سبب، حتماً کنتم تملکون شیئاً لم یکن یملکه الآخرون.
و قال سماحته بعنوان النقطة الثالثة:
3- سوف یجمعون لکم مقداراً من الآیات و الروایات حول العفو و المسامحة و الصلح، و یضعونها تحت تصرّفکم، إقرأوها على الأشخاص الذین یردون علیکم، و انقلوا لهم القصص و الحکایات فی زمن المعصومین، فغالباً ما یقع بعضهم تحت تأثیرها، و یؤدی ذلک الى تخفیف أعباء المحاکم و حفظ حیثیة وکرامة الجهاز القضائی و الاسلام.
وضمن إشارته الى أنّ هذه المجالس کان یجب أن تتشکّل أبکر من ذلک بکثیر قال سماحته:
یجب أن توسع هذه المجالس، ویجب أن یستفاد أقصى إستفادة من العواطف الدینیة للمتنازعین.
و أضاف سماحته أخیراً:
إبدأوا عملکم ببسم الله و الحمد لله و الصلاة على الرسول(صلى الله علیه وآله)، واستعملوا الآیات و الروایات، وافعلوا ما یبدل البغضاء بالمحبة.