هل من بداية و نهاية للعالم!

هل من بداية و نهاية للعالم!


فجأة ومض ضوء في أعماق ظلام الوجود وظهر تخطيط جديد، إلا أنّ عامل ظهور هذا الوميض لا يمكن أن يكون من داخل الدنيا المظلمة‌

سرّ آخر:

تفيد كافة المشاهدات الموجودة أنّ العالم يسير نحو التآكل، لأننا نعلم أنّ العالم يتألف من ذرات، والذرات بأجمعها في حالة تجزئة.

وخلافاً لما يظنّه البعض فلا تشتمل الأجسام الراديوكتيفية لوحدها على ذرات متغيرة في حالة تجزئة و زوال، بل سائر الذرات هي الأخرى تنطلق إلى ذات الغاية.

أمّا الفارق بينهما هو أنّ ذرات الأجسام الراديوكتيفية إنّما تجتاز هذا الطريق بسرعة، بينما تقطعه ذرات سائر الأجسام ببطئ، وبالطبع فإنّ مدى التجزئة ضئيل جدّاً في الأجسام الصغيرة كالحصى مثلاً، أمّا في الجسم الكبير كالشمس التي تكبر كرتنا الأرضية بمليون وثلاثمئة ألف مرّة، فقد تصل في اليوم والليلة إلى 300 ألف مليون طن.

ومن شأن هذا الأمر أن يوضح لنا إلى حد موضوعين مهمّين بخصوص بداية هذا العالم ونهايته.

1 ـ أنّ لهذا العالم المادي على وجه الحتم بداية، وخلافاً لما يعتقده البعض فإنّ طول عمره لا يمتد إلى اللا نهاية، لأنّه لو مرّ على عمره مالانهاية من السنوات، كان لابدّ أن تتجزأ كافة ذراته وتتبدل إلى طاقة قبل ما لا نهاية من السنوات، إلى جانب كون تجزؤ كافة ذرات العالم مهما كانت بطيئة و تتطلب زمانآ طويلاً فلا تبلغ اللانهاية،  ومن هنا كان ينبغي ألا يكون عالمنا المعاصر سوى كتلة من الطاقة، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى فإنّ طاقات العالم إنّما تتجه دائماً نحو الرتابة والتقسيم المتوازن والمتساوي، يعني بالضبط كقطعة الحديد الذائبة التي تفقد حرارتها بالتدريج في الفضاء الطليق حتى تصبح حرارتها واحدة مع حرارة الاجسام من أطرافها، وهذا ما عليه حال طاقات الدنيا.

طبعآ قطعة الحديد المذابة مادامت لم تبلغ هذه الحالة فهي مصدر بعث للحرارة (الأشعة تحت الحمراء)، إلّا أنّه ما أن تتساوى درجة حرارتها مع الأطراف حتى تخفت سائر الأمواج والأشعة المذكورة، أضف إلى ذلك حين يكون الحديد مذاباً فإنّ الهواء الملامس له يكون دائم الحركة، أي يصبح الهواء حاراً ويرتفع إلى الأعلى فيحل محله الهواء البارد، وهكذا يكون هنالك نسيم معتدل دائم في تلك المنطقة، أمّا حين تخفت الحرارة (أو الأصح: تتساوى درجة حرارة الحديد مع درجة حرارة الأطراف) فإنّ ذلك النسيم يسكن أيضاً.

مثال آخر: حركة الأنهار و دوّي الشلّالات وحركة أمواج البحار وآلاف الظواهر الجميلة المرتبطة بذلك في كافة أجزاء الكرة الأرضية، كلها وليدة اختلاف سطوحها، ولو تساوت المياه يوماً في سطح واحد من الكرة الأرضية، أي لو توزعت بصورة رتيبة في الكرة الأرضية لإنقطعت آنذاك أصوات الشلّالات وخرير المياه ولسادت جميع الأنهار حالة من الصمت الرهيب.

وهذا هو وضع الطاقات الموجودة في عالم الوجود، فهي تتّجه نحو الرتابة والسكوت، وإذا قسمت بصورة متساوية فسوف لن يكون هناك سوى الصمت المطلق.

وعليه لو مضى ما لا نهاية من عمر العالم لوجب أن تحصل هذه الحالة إلى الان، وهذا هو الشيء الذي عبر عنه في المادة الثانية من الثرمودينامك باسم الانثروبي أو الكهولة.

فالمادة المذكورة تفيدنا حتمية البداية للعالم المادي، قد لا نستطيع بسبب البعد الزماني بيان تاريخ ظهوره والسنوات التي مرّت عليه على وجه الدقّة، إلّا أنّ المسلم به وجود مثل هذا الشيء.

2 ـ كما تعلمنا هذه المادة أن للعالم المادي نهاية ولا يمكنه أن يستمر إلى الأبد، لأنّ التجزئة التدريجية للذرات ورتابة الطاقة سيكون ختامها تبدل جميع الذرات طاقة والطاقة الفعالة إلى طاقة خاملة وصامتة وساكنة.

فالعالم كالشخص الذي يفقد طاقته تدريجياً إثر مرور الزمان وبالتالي سيأتي اليوم الذي ينطفىء فيه سراج عمره - نعم هنالك اليوم الذي يشهد ذبوله وخموله وفقدان جميع قواه (عليك بالدقّة).

—–لم يبق كلام سوى عن العصور المكررة والومضة الأولى وقيامة العالم، فقد يكون هذا العالم قد شرع من نقطة مئات أو آلاف أو ملايين المرات، و بعد أن اجتاز عصورآ مديدة من حياته وتلاشى وتجزأت كل الذرات استجدت حياته واتخذ لنفسه شكلاً حديثاً، وقد حدث انفجار عظيم في قلب هذا العالم في تلك الحالة الرتيبة والسكون المحض، ثم دبت الحياة من جديد في الطاقات فتراكمت شيئاً فشيئاً وشكلت مواد جديدة وابتدأت حركة حول نفسها فظهرت المجرّات والكواكب وسائر الكرات كالكرة الأرضية والكائنات الحية و...

وكذلك بعد أن يسير عالمنا المعاصر إلى الاُفول تندثر كواكبه وتهفت طاقاته ويترتب ثانية من جديد، وعليه وإن كان لكل عصر من عصور عالم المادة بداية ونهاية، بينما تتخذ بالمجموع لنفسها صيغة أزلية وأبدية، إلّا أنّ هناك حقيقة كامنة لا يمكن إنكارها وهي في البداية يكون كل شيء رتيب وعابث و هكذا في النهاية ولابدّ من تسليط قوة عظيمة من الخارج على عالم الطبيعة وتلقي الومضة الاُولى؛ ومضة الوجود والحياة بسكونها وصمتها على العالم وإلّا كيف للوسط الهادىء والفاقد لأي نشاط أن يكون مصدراً للحركة والفعالية، نستنتج ممّا سبق أنّ العالم في ظهوره الأول يتطلب قدرة ما وراء الطبيعة، كما سيحتاج بالتأكيد إلى مثال هذه القدرة في المستقبل بعد الأفول، ومن هنا يحل لدينا لغز آخر من ألغاز الوجود، يمكن تلخصيه في العبارات التالية :

* لعالم المادة بداية وتأريخ للظهور.

* لعالم المادة نهاية وتأريخ للأفول.

* يمكن أن تكون هذه البداية والنهاية تكررت عدّة مرات.

* يحتاج العالم في بداية إلى عامل ماوراء الطبيعة.

* يحتاج العالم في مستقبله بعد الأفول المطلق إلى العامل المذكور.

* و عليه فلا مفهوم لأزلية العالم الراهن وأبديته.

ويمكن لهذه الحقائق أن تجيب على عدّة أسئلة (عليك بالدقّة).

captcha