تحقيق في الحروف المقطعة في القرآن

تحقيق في الحروف المقطعة في القرآن


إن التاريخ لم يحدثنا أنّ عرب الجاهلية والمشركين عابوا على رسول الله(ص) وجود هذه الحروف المقطعة في القرآن، ولم يتخذوا منها وسيلة للطعن والإستهزاء، وهذا يشير إلى أنّهم لم يكونوا جاهلين تماماً بأسرار وجود الحروف المقطعة.‌

تسع وعشرون سورة من سور القرآن تبدأ بحروف مقطعة، وهذه الحروف من أسرار القرآن، وذكر المفسرون لها تفاسير عديدة.

جدير بالذكر أنّ التاريخ لم يحدثنا أنّ عرب الجاهلية والمشركين عابوا على رسول الله(ص) وجود هذه الحروف المقطعة في القرآن، ولم يتخذوا منها وسيلة للطعن والإستهزاء، وهذا يشير إلى أنّهم لم يكونوا جاهلين تماماً بأسرار وجود الحروف المقطعة.

هذه الحروف إشارة إلى أنّ هذا الكتاب السماوي، بعظمته وأهميته التي حيّرت فصحاء العرب وغير العرب، وتحدّت الجن والإنس في عصر الرسالة وكل العصور، يتكون من نفس الحروف المتيسرة في متناول الجميع.

ومع أنّ القرآن يتكون من هذه الحروف الهجائية والكلمات المتداولة، فإنّ ما فيه من جمال العبارة وعمق المعنى يجعله ينفذ إلى القلب والروح، ويملأ النفس بالرضا والإعجاب، ويفرض احترامه على الأفكار والعقول.

وكما أنّ الله تعالى خلق من التراب موجودات، كالإنسان بما فيه من أجهزة معقّدة محيّرة، وكأنواع الطيور الجميلة الرائقة، والأحياء المتنوعة، والنباتات والزهور المختلفة، وكما أنّنا ننتج من هذا التراب نفسه ألوان المصنوعات، كذلك الله سبحانه خلق من هذه الحروف الهجائية المتداولة، موضوعات ومعان سامية، في قوالب لفظية جميلة، وعبارات موزونة، وأسلوب خاص، وهذه الحروف الهجائية موجودة تحت تصرف الإنسان، لكنه عاجز عن صنع جمل وعبارات شبيهة بالقرآن.

الأدب في العصر الجاهلي

من المهم أن نذكر هنا أنّ العصر الجاهلي كان عصر ذهبيا للأدب العربي. فالوثائق المتوفرة بأيدينا تشير إلى أنّ العرب الحفاة الجفاة الجاهليين، كانوا يتمتعون بذوق أدبي رفيع. وكان للأدب سوق رائجة تدلّ على اهتمام العرب بلغتهم وآدابهم، و(سوق عكاظ) وأمثالها من الأسواق الأدبية تعكس هذا الإهتمام بوضوح.

والسوق المذكور كان يشهد ـ إضافة إلى المعاملات الاقتصادية والقضايا الاجتماعية ـ حركة أدبية تعرض خلالها أفضل مقطوعات الشعر والنثر، ويتم فيها انتخاب أفضل ما قيل من النظم خلال العام، وكانت القصيدة الفائزة تعدّ فخرا كبيرا للشاعر ولقبيلته.

في مثل هذا العصر من الإنتعاش الأدبي، يتحدى القرآن الناس أن يأتوا بمثله، ولكنهم عجزوا.

الشاهد الناطق على هذا المنحى من تفسير الحروف المقطعة، حديث في تفسير البرهان عن الإمام علىّ بن الحسين(ع) حيث يقول: «كذّبت قريش واليهود بالقرآن وقالوا هذا سحر مبين، تقوّله، فقال الله: (آلم * ذلِك آلْكِتَابُ) أي يا محمّد، هذا الكتاب الّذي أنزلته عليك هو الحروف المقطّعة التي منها الف ولام وميم، وهو بلغتكم وحروف هجائكم فأتوا بمثله إن كنتم صادقين واستعينوا على ذلك بسائر شهدائكم».

 

captcha