رابطة التفكّر والعمل بالخيرات

رابطة التفكّر والعمل بالخيرات


إن ما نراه من اهتمام الإسلام في مجال التصدي لحالات الغفلة والسكر والمشروبات الكحوليّة فذلك بسبب أنّ هذه الأمور تعطّل فكر الإنسان وتجهض حركته باتجاه الكمال وتعيق مساره في خطّ الخير والصلاح.‌

يقول الإمام أميرالمؤمنين عليّ(ع) : «إِنَّ الِتَّفَكُّرَ يَدْعُو إِلَى البِرِّ وَالْعَمَلِ بِهِ»[1] .

سؤال : ما هي العلاقة بين التفكّر والعمل الصالح؟

الجواب : يمكن بيان هذه العلاقة والرابطة بين الفكر والعمل من زوايا مختلفة:

1. عندما نفكّر بأنّ جميع عالم الوجود يتجه نحو الفناء ولا يبقى من هذا العالم سوى الذات الإلهيّة المقدّسة، فمن الطبيعي أننا إذا قمنا بعمل صالح وكانت نيّتنا التقرّب إلى الله تعالى في هذا العمل، وجعلناه ذخرا لنا في خزانة الباري تعالى، فسوف يبقى هذا العمل: (مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ)[2] ، فالتفكّر في فناء الدنيا وبقاء الله تعالى وعدم فنائه ينتج هذه النتيجة.

2. عندما نتحرّك على صعيد الاستفادة من النعم والمواهب في عالم الطبيعة، ونفكّر فيها، فسوف نلتفت إلى أننا غرقى في نعم الله تعالى علينا بحيث إنّ الله تعالى لو سلب منّا لطفه ورحمته لحظة واحدة فسوف نهلك ونفنى، وبالتالي فإنّ العقل يأمرنا بإطاعة مثل هذا المنعم القادر ونفكّر أكثر في نعم الباري تعالى ومواهبه ونتحرّك في طريق أداء الواجبات وترك المحرمات واكتساب الفضائل وترك الرذائل، ومن هذه الجهة ورد في علم العقائد أنّ مسألة شكر المنعم هي أوّل مسألة تقود بالإنسان إلى معرفة الباري تعالى.

3. أنّ التفكير في عواقب الأعمال السيّئة والسلوكيات القبيحة التي لا تثمر سوى الخزي والذلّة والاحتقار للإنسان، فسوف يتحرّك الإنسان حينها للابتعاد عن ممارسة هذه الأعمال السيّئة، وكذلك في مجال التفكير في عواقب الأعمال الحسنة والصالحة والتي تثمر للإنسان العزّة والسعادة والسكينة الباطنيّة، فعندها يتحرّك الإنسان لممارسة مثل هذه الأفعال الحسنة وبالتالي يدعوه هذا النمط من التفكير في الزيادة من الأعمال الصالحة وترك الأعمال السيّئة.

عندما يفكّر الإنسان بعاقبة الخونة والحساد والحاقدين، والذين يشيعون الشائعات ويتحرّكون بين الناس على مستوى الغيبة والنميمة وأمثال ذلك، ويتدبّر في عاقبة أمرهم وما يعيشونه من حياة بائسة، فسوف يلتفت قطعا إلى قبح هذه الأعمال الذميمة ويجتنبها ويبتعد عنها، وعندما يفكّر في عاقبة الأمانة، والصدق، وترك الحسد والحقد وبثّ الشائعات والنميمة، ويحفظ لسانه عن الكذب والغيبة ويذوق طعم الحياة الطيّبة في السير في خط طلب الفضائل وترك الرذائل فسوف يشعر بعلاقة مضاعفة بهذه الفضائل وينجذب لها أكثر.

أجل، فإنّ أصل جميع الأعمال يكمن في الفكر والتفكّر، فالشقاء إنّما يصيب الإنسان والمجتمع فيما لو ابتعد كلّ فرد ممارسة التفكير والتفكّر، وما نراه من اهتمام الإسلام في مجال التصدي لحالات الغفلة والسكر والمشروبات الكحوليّة فذلك بسبب أنّ هذه الأمور تعطّل فكر الإنسان وتجهض حركته باتجاه الكمال وتعيق مساره في خطّ الخير والصلاح.

 

[1] . أصول الكافي، ج 2، ص 55، الباب التفكّر، ح 5.

[2] . سورة النحل، الآية 96.

captcha