في بداية الامر ينبغي القول إن المصائب التي مرّت على اهل البيت في الكوفة والشام هي محن ومصائب غاية في القسوة والألم وهي أبشع من مصائب ومحن كربلاء(1)، لذلك نجد الامام الحسين سيد الشهداء كان قد أعدّ الامام السجاد للنهوض بالمسؤولية العظمية بعد استشهاده وأهل بيته، فغرس تلك الشجرة المثمرة اليانعة في كربلاء عبر اصراره(عليه السلام) على عدم مشاركة الامام زين العابدين في أيّ قتال، إبقاءا واستمرار للثورة واهدافها، وفي المقابل ضحّى هو وسائر احبته واولاده بنفسه ودمه للغرض نفسه، فكانت آخر وصاياه(عليه السلام) هو ضرورة ان يبقى ولده السجاد مع النسوة لأكمال المسيرة، وعلى النسوة والاطفال اطاعته والسير خلفه(2) من هنا ينبغي القول أن الشيعة وأتباع مدرسة اهل البيت لا يمكنهم نسيان الظروف العصيبة التي مرّت على الامام السجاد بعد استشهاد ابيه واخوته وسائر الاهل والاصحاب، ويدركون بأسى ووجع حجم الكارثة والمصائب المرّة التي انهالت عليه بعيد العاشر من محرم، مضافا الى ذلك فإن الشيعة يعون أمرا في غاية الأهمية وهو أن الامام الحسين أبقى ولده المعصوم هذا حتى يهتدون به وينظرون ماذا يصنع في تدبير أمر الثورة وديمومتها(3).
من جهة اخرى فان الامام السجاد(عليه السلام) هو وراث العلم والفصاحة والبلاغة العلوية وهو حامل للشجاعة والاقدام الحسيني(4) إذ ومع خطبه في الكوفة والشام التي لا تنسى وما صدح به من كلام بليغ(5) استطاع إيقاض الامة من غفلتها وأتمّ الحجة على الناس هناك(6).
وعلى ضوء ذلك تكون التعاليم والتصريحات السياسية في خطب الامام السجاد(عليه السلام) التاريخية في الكوفة والشام قد بيّنت روح الحماس والاقدام في هذه الواقعة التاريخية العظمى(7)، من هنا سوف نتعرض في هذا المقال الى أبرز المعالم السياسية الموجودة في حياة الامام السجاد(عليه السلام) وسوف نتعرض الى الوسائل التي استخدمها صلوات الله عليه في احياء وتجديد ثورة عاشوراء الكبرى، من خلال الوقوف على آراء وافكار المرجع الديني مكارم الشيرازي النيّرة.
خطب الامام (عليه السلام) وبياناته ضمان لاستمرار الثورة
لابد من الاعتراف بأن خطب الامام السجاد عليه السلام في الكوفة والشام تعتبر من الخطب التي هزّت أركان قصر ال امية الغاصبين وقضّت مضاجع اليزيديين في الشام، وبكلامه(عليه السلام) في تلك الخطب أفاق اهل الشام واهل الكوفة من غلفتهم وسباتهم، ولابد من الاذعان ايضا أن بلاغة المنطق وقوة البرهان في تلك الخطب، أفسدت كل خطط بني امية الخبيثة في محو الاسلام واضعاف دور الثورة وتأثيرها في الناس، وتحجيم وتصغير عظمة شهادة الحسين واهل بيته وصحبه(8).
مثال ذلك ما قاله الامام(عليه السلام) في الكوفة "أيّها الناس من عرفني فقد عرفني ومنْ لم يعْرفْن فأنا أُعرّفْه بنفسي: أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنا ابنُ من انتُهكَت حرمتُه وسلبت نعمتُه وانتهبَ ماله وسبيَ عيالُه(9)، أنا ابن المذبوحِ بشطّ الفرات، من غير ذُحْل ولاترات، أنا ابن من قُتل صبرا وكفى بذلك فخرا"(10).
ثم ختم حديثه بالابيات التالية:
لاغروَ إن قتْلَ الحسين فَشَيخُه لقد كان خيرا من حسين وأكرَما
فلا تفرحوا يا أهل كوفانَ بالذي أصاب حسينا كانَ ذلك أعظمَا
قتيلٌ بشطّ النهر روحي فداؤُهُ جزاءُ الذي أرْداه نارُ جهنّما(11).
فضح جرائم يزيد في شهادة الامام الحسين(عليه السلام)
يعتبر فضح حكومة يزيد الفاسدة والاعلان عن الجرائم والفضائع الذي ارتكبها جيشه في كربلاء احد الاساليب المهمّة والعناصر الاساسية في تجديد واحياء ثورة عاشوراء؛ من هنا كان الامام زين العابدين يصدح بذلك ويبين للناس عظمة القبح والخطئية التي ارتكبها يزيد وأعوانه، وقد أجاب يزيد وهو في الشام ”ويلك يا يزيد ! إنك لو تدري ماذا صنعت؟ وما الذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي وأخي وعمومتي إذا لهربت في الجبال، وافترشت الرماد، ودعوت بالويل والثبور، أن يكون رأس أبي الحسين بن فاطمة وعلي منصوبا على باب مدينتكم وهو وديعة رسول الله فيكم، فابشر بالخزي والندامة غدا إذا جمع الناس ليوم القيامة"(12).
ولكن ينبغي القول أن الامام السجاد(عليه السلام) كان يعلم أن هذا الكلام رغم بلاغته وقوته سوف لا يؤثر الاثر العميق في قلب يزيد ونفسه المظلمة؛ وذلك لانه شارب للخمر قاتل للنفس المحترمة لاعب القمار، وكان علي بن الحسين(عليه السلام) يدرك أنه لا يعتني كثيرا بما قاله، ولكنه يعلم ايضا أن الحاضرين كانوا كثر وقد كانوا من وجهاء وكبار الشام، وهم من كان يقصدهم بما ذكره من كلام، فكان يدرك أنه مؤثر جدا في نفوسهم، مضافا الى قصر يزيد وبلاطه كان ملتقى للامراء والملوك والخلفاء، وهو المكان الاهم الذي منه تنتشر الاخبار الى أصقاع العالم، فأراد من كلامه الموجه الى يزيد التوظيف الاعلامي والترويجي لقبائح وجنايات هذا الرجل المجرم، وكان يقصد فضح الحقيقة المستورة لآل امية وكفرهم، وكشف زيف اقنعتهم أمام كل هؤلاء الناس(13).
اجل إن الله يريد فضح هذه الشجرة الخبيثة والمجرمة الجاهلة، واراد أن يبيّن أنه تعالى يصنع من هؤلاء عبرة لكل الناس من خلال فضحهم عبر الادلة الدامغة التي تجلّت ضدهم من خلال ما صنعوه بآل بيت النبي (صلوات الله عليهم) وقتلهم ذريّته والتمثيل بجثثهم ووضع رؤوسهم على رؤوس الرماح يطوفون بهم البلدان، حتى تأتي العقوبة الربانية فيعاقبهم الله الى ما شاء من العذاب(14).
التأكيد على أن الشهادة هي طبيعة متجذرة لدى أهل البيت (عليهم السلام) وأنّها كرامة لهم
فيما يتعلق بتوضيح هذه القضية المهمة في خطب الامام زين العابدين(عليه السلام) وحواراته مع العدو، نتعرض الى ما قاله(عليه السلام) للّعِين عبيد الله بن زياد في مسجد الكوفة حينما أراد أن يقتل الامام فرمَت عمّته بنفسها عليها، فنظر ابن زياد اليها واليه ساعة، ثم قال: عجبا للرحم والله إني لأضّنها ودّت أني قتلتها معه، دعوه أراه لما به، فأقبل علي بن الحسين على ابن زياد قائلا:”أَبِالْقَتْلِ تُهَدِّدُني يَابْنَ زِيادٍ، أَما عَلِمْتَ أَنَّ الْقَتْلَ لَنا عادَةٌ وَ كَرامَتَنَا الشَّهادَةُ"(16).
التأكيد على الوعي السياسي، أحد العناصر الاساسية في خطبة الامام(عليه السلام) في الكوفة
اذا ما أردنا بيان غياب الوعي السياسي لأهل الكوفة علينا الاشارة الى ما قاله الامام زين العابدين في مسجد الكوفة، حيث خطب بالناس هناك قائلا: (أيها الناس: ناشدتكم بالله، هل تعلمون إنّكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة، ثمّ قاتلتموه وخذلتموه، فتباً لكم لما قدّمتم لأنفسكم، وسوأة لرأيكم، بأية عين تنظرون إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، إذ يقول لكم: قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي، فلستم من أمّتي). فارتفعت أصوات الناس بالبكاء من كل ناحية، ويقول بعضهم لبعض: هلكتم وما تعلمون؟ فقال((عليه السلام)):(رحم الله امرأ قبل نصيحتي، وحفظ وصيتي في الله، وفي رسوله وأهل بيته، فإن لنا في رسول الله أسوة حسنة) .فقالوا بأجمعهم: نحن كلّنا يا ابن رسول الله سامعون مطيعون، حافظون لذمامك، غير زاهدين فيك، ولا راغبين عنك، فمُرنا بأمرك يرحمك الله، فإنّا حرب لحربك، وسلم لسلمك، لنأخذن يزيد ونبرآ ممّن ظلمك وظلمنا .فقال((عليه السلام)):(هيهات هيهات، أيّها الغدرة المكرة، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم، أتريدون أن تأتوا إليّ كما أتيتم إلى آبائي من قبل؟ كلاّ ورب الراقصات إلى منى، فإنّ الجرح لمّا يندمل، قتل أبي بالأمس وأهل بيته ومن معه، ولم ينسني ثكل رسول الله، وثكل أبي وبني أبي، ووجده بين لهاتي، ومرارته بين حناجري وحلقي، وغصصه تجري في فراش صدري، ومسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا)(19).
وعند التأمل في هذه الخطبة للامام السجاد(عليه السلام) يمكن ادراك أن الامام كان يعلم أن جهل هؤلاء وضعف بصيرتهم وخياتنهم التي ظهرت في اكثر من مناسبة يجعلهم اضعف من اي وقت مضى من النهوض والثورة بوجه طغاة البيت الاموي، من هنا كانت مقالته في ردهم والتعليق على ما أبدوه من استعداد: هو:”هيهات هيهات، أيّها الغدرة المكرة، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم(...) ومسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا"(20).
نشر وترويج الاسلام النبوي، تقزيم وإزاحة للاسلام الاموي
من الأساليب التي وظّفها الامام علي بن الحسين في احياء الثورة الحسينية هو التأكيد على حقيقة الاسلام المحمدي الاصيل والتركيز على نشره وترويجه، من هنا يقول الامام(عليه السلام) في خطبته بالشام:”وفضلنا بأن منّا النبي المختار، ومنّا الصديق(الامام علي(عليه السلام)) ومنّا .. ومنّا ..."(21).
وبعد تعريف نفسه وبيان اتصاله بالشجرة الطيبة والسلالة الطاهرة لاهل البيت (عليهم السلام)، قال:”أَيُّهَا النّاسُ! أَنَا ابْنُ مَكَّةَ وَمِنى، أَنَا ابْنُ زَمْزَمَ وَالصَّفا...أَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ الْمُصْطفى، أَنَا ابْنُ عَلِيٍّ الْمُرْتَضى، أَنَا ابْنُ مَنْ ضَرَبَ خَراطِيمَ الْخَلْقِ حَتّى قالُوا: لاإِلهَ إِلَّا اللَّهُ"(22).
اجل فأن الامام السجاد ومن خلال هذه البيانات أراد اتمام الحجة على أهل الشام الذين قضوا ردحا من الزمن مع الاسلام الاموي المزيّف، وكان(عليه السلام) يعلم ان رجلا كان يدعى امير للمؤمنين! هو معاوية، والان يتأمّر خليفة آخر يدعى يزيد وهو ابن معاوية الخليفة الشارب للخمر واللاعب بالقمار مدّعيا الامامة والزعامة على المسلمين معتبرا نفسه وعائلته الفاسدة ممثلا شرعيا للدين دون غيره من الناس، ويعدّ الامام الحسين واسرته الطاهرة خارجة عن الدين والملة وأنهم متمردون على خليفة المسلمين(23).
تعزيز العلقة السياسية للشعائر الاسلامية مع الثورة الحسينية
إن ابرز معالم التعاطي السياسي للامام السجاد(عليه السلام) في الكوفة والشام كان يرتكز على العلاقة الوثيقة بين الشعائر الاسلامية والطقوس الدينية والاهداف العظمى للامام الحسين(عليه السلام) التي كان يرمي اليها من اشعال ثورة كربلاء الكبرى، من هنا فقد كان الامام زين العابدين(عليه السلام) يواجه ممارسات يزيد المشينة، من خلال ربط تلك الاهداف بتلك الشعائر المقدسة، ومنها لمّا اراد اللعين اسكات الامام وهو يخطب على المنبر، وبذريعة دنو وقت الصلاة امر يزيد المؤذن برفع الاذان وقطع على الامام الكلام، الا أنه عندما بلغ المؤذن اشهد أن محمدا رسول الله، التفت الامام من فوق المنبر الى يزيد وقال:”محمد هذا جدك أم جدي؟ فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت وكفرت، وإن قلت إنه جدي فلم قتلت عترته”(24).
وعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: لما قدم علي بن الحسين وقد قتل الحسين بن علي صلوات الله عليهم استقبله إبراهيم بن طلحة بن عبيدالله وقال: يا علي بن الحسين من غلب؟ وهو يغطي رأسه وهوفي المحمل، قال: فقال له علي بن الحسين: إذا أردت أن تعلم من غلب ودخل وقت الصلاة فأذن ثم أقم(وهنا احكم من الذي بقي ومن الذي ذهب)(25)،(26).
مواجهة حملة بني امية ضد شخص الامام علي(عليه السلام)، سبيل سياسي آخر انبرى له الامام(عليه السلام) لاحياء الثورة
تجدر الاشارة هنا الى من جملة الطرق المهمة التي ميّزت منهج الامام زين العابدين السياسي في صيانة تعاليم الامام الحسين (عليهما السلام) وبقاء ثورته العاشورائية، هو التعريف بفضائل الامام امير المؤمنين (عليه السلام) واستعراض معالم شخصيته العظمية وبيان تضحيته وتفانيه في سبيل الدين والحق، الامر الذي أبطل فيه مؤامرات العدو وأفسد من خلاله الشائعات التي كان يروّج لها بني امية طيلة عقود مضت، ومن هنا فقد قال في خطبته في مجلس يزيد في الشام:”أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله سيفين وطعن برمحين وهاجر الهجرتين وبايع البيعتين وقاتل ببدر وحنين ولم يكفر بالله طرفة عين، أنا ابن صالح المؤمنين ووارث النبيين وقامع الملحدين ويعسوب المسلمين ونور المجاهدين وزين العابدين وتاج البكاءين وأصبر الصابرين وأفضل القائمين من آل ياسين رسول رب العالمين، أنا ابن المؤيد بجبرئيل، المنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين وقاتل المارقين والناكثين والقاسطين والمجاهد أعداءه الناصبين وأفخر من مشى من قريش أجمعين وأول من أجاب واستجاب لله ولرسوله من المؤمنين وأول السابقين وقاصم المعتدين ومبيد المشركين وسهم من مرامي الله على المنافقين ولسان حكمة العابدين وناصر دين الله وولي أمر الله وبستان حكمة الله وعيبة علمه، سمح سخي، بهي بهلول زكي، أبطحي رضي، مقدام همام، صابر صوام مهذب قوام، قاطع الأصلاب ومفرق الأحزاب، أربطهم عنانا وأثبتهم جنانا وأمضاهم عزيمة وأشدهم شكيمة، أسد باسل، يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنة وقربت الأعنة طحن الرحى، ويذروهم فيها ذرو الريح الهشيم، ليث الحجاز وكبش العراق مكي مدني، خيفي عقبي، بدري أحدي، شجري مهاجري، من العرب سيدها، ومن الوغى ليثها، وارث المشعرين وأبو السبطين: الحسن والحسين، ذاك جدي علي بن أبي طالب”(32).
ولا يخفى أنه(عليه السلام) بهذه الخطبة العصماء البليغة كان قد أشعل شرارة البداية لمقارعة الحكم الاموي حينما اهتزّ القصر اليزيدي واضطربت الاوضاع في الشام، فإن تلك الخطبة أيقضت اهل الشام من غفوتهم التي استمرت اربعين عاما، وكانت بمثابة الصاعقة عليهم بعد العقود الاربعة التي كان يشيع فيها الشتم والسبّ لعلي(عليه السلام)(33).
سياسية الامام(عليه السلام) الهجومية في ظل الانفعال والاستبداد اليزيدي الطائش
من الواضح أن الحرب الهجومية التي خاضها الامام السجاد امام محور الاستبداد والظلم المتمثلة بشخص يزيد وبلاطه، يمكن اعتبارها نموذجاً وقدوة رائعة في مواجهة المستكبرين والظلمة، من هنا نجد أن المناخ الاجتماعي في الشام معقل بني امية التهب واستعر جرّاء خطبة الامام ومقارعته ليزيد بلسان سليط وبلغة غاية في الروعة والجمال، ولذلك فقد كان يزيد ومن اجل أن يوهم الرأي العام ويمتص غضبه يُجلس الامام في صدر مجلسه عندما يبدأ الناس بتناول الطعام!(34)،(35) على الرغم من أن ردّة الفعل هذه ليست صادقة، فهو لم يكن نادما بما يكفي على ما صنعه بأهل البيت (عليهم السلام)، بل بسبب المأزق السياسي الذي وقع فيه، وبدافع المصلحة في المحافظة على هدوء الرأي العام الذي انفجر واهتز لخطب الامام السجاد والسيدة زينب عليهما السلام في الشام التي اثّرت كثيرا في الشارع الشامي، لذلك يحكي لنا التاريخ أن يزيد لم يضيّق على اهل البيت بعد واقعة كربلاء ولم يلاحق شيعتهم بعد ذلك ايضا؛ لأنه لو لم يفعل ذلك لانقلب الناس ضدّه وانتهى امره بسرعة(36).
بكاء الامام السجاد(عليه السلام) السياسي على الامام الحسين(عليه السلام)
وتجدر الاشارة هنا ايضا الى أن احد الاساليب المؤثرة جدا في نشر وبثّ روح الثورة الحسينية هي البكاء على الامام الحسين(عليه السلام) الذي وظّفه الامام زين العابدين لذلك ايضا(37) فقد كان الامام السجاد وفي طول فترة امامته، يعيش مأساة كربلاء ويستذكر احداثها المرّة، وقد بكى على تلك المصيبة بكاء كثيرا حتى لقّب بـ”بكّائي العالم”(38)،(39).
من هنا فقد كان الامام(عليه السلام) يذرف الدموع على فراق أبيه، وينحب كثيرا لما المّ به، الامر الذي يثير اللوعة والحسرة في قلوب الناس، وتشتعل نار الحب والولع لشهداء كربلاء، وتبلغ الرغبة ذروتها في الأخذ بثأرهم والسير على نهجهم(40).
كلمة أخيرة
وفي الختام ينبغي القول أن الجو العام المشحون بالفواجع العظيمة في كربلاء والمناخ السائد بالتسلط والظلم الاموي من جهة، وضغوط الأسر والاعياء الشديد جرّاء قطع مسافات طويلة من المشي والاجواء الحارة من جهة اخرى، مضافا الى الألم النفسي والتعب الروحي جراء استشهاد الحسين (عليه السلام) والثلّة الطاهرة التي جاهدت معه من جهة ثالثة، كل هذه الامور من المفترض أن لا تترك للامام زين العابدين القدرة على الحديث والبيان او النطق بمحاورة عادية او محادثة طبيعية(41) لكن ما الامر الملفت في كل ذلك؟ اجل إنّه الثبات والصمود الذي أبداهما الامام(عليه السلام) رغم كل تلك الظروف، والشجاعة التي ظهرت منه في مقاومة الطاغية يزيد التي تجلت في تلك الخطب البليغة والمؤثرة في مسجد الكوفة والشام، حتى تمكن عبر ذلك الكلام أن يقنع الجمهور بخطأ يزيد وفضاعة ما ارتكبه عبيد الله بن زياد في قتلهم الحسين (عليه السلام) وتجاوزهم على اهل بيت الرسالة، وبالتالي الانقلاب على الحكم الاموي(42) حصل كل ذلك بعد أن أعدّ يزيد مهرجانا عظيما بمناسبة النصر، الذي تحول بسبب جهود الامام الى وبال عليه وعلى حكمه.
إعداد ودراسة شعبة الأخبار في المكتب الإعلامي التابع لسماحته (دام ظله) Makarem.ir
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] عاشوراء جذورها ودوافعها وأحداثها وتداعياتها؛ ص587.
[2] نفس المصدر؛ ص505.
[3] نفس المصدر.
[4] نفس المصدر؛ ص611.
[5] نفس المصدر؛ ص25.
[6] نفس المصدر؛ ص611.
[7] نفس المصدر؛ ص25.
[8] كلمة سماحته إلى المؤتمر الدولي للإحتفاء بالامام السجاد عليه السلام في تاريخ 1393/9/8.
[9] عاشوراء جذورها ودوافعها وأحداثها وتداعياتها؛ ص573.
[10] نفس المصدر، ص: 574.
[11] الاحتجاج للطبرسي، ج 2، ص 117- 119 وبحار الانوار، ج 45، ص 112- 113.
[12] بحار الانوار، ج 45، ص 135- 136.
[13] عاشوراء جذورها ودوافعها وأحداثها وتداعياتها، ص: 596.
[14] نفس المصدر.
[15] الارشاد للمفيد، ص 473- 474 وملهوف( لهوف)، ص 202( مع اختلاف بسيط) أنظر أيضاً: تاريخ الطبري، ج 4، ص 350.
[16] عاشوراء جذورها ودوافعها وأحداثها وتداعياتها، ص: 579.
[17] نفس المصدر؛ ص574.
[18] نفس المصدر.
[19] نفس المصدر، ص: 575.
[20] نفس المصدر، ص: 576.
[21] نفس المصدر؛ ص605.
[22] نفس المصدر، ص: 606.
[23] نفس المصدر؛ ص611.
[24] نفس المصدر؛ ص609.
[25] بحارالانوار، ج 45، ص 177.
[26] عاشوراء جذورها ودوافعها وأحداثها وتداعياتها، ص: 235.
[27] نفس المصدر؛ ص606.
[28] واحدة منها تتعلق بهجرة علي عليه السلام من مكة الى المدينة والأخرى ربما تشير الى هجرته الى الطائف مع النبي صلى الله عليه وآله في السنة الحادي عشر للبعثة أو هجرته إلى الكوفة في أيام خلافته.
[29] واحدة منها تتعلق ببيعة الرضوان والأخرى بيعة سنة فتح مكة كما أشار الى ذلك الامام الحسن عليه السلام في التعريف بوالده الجليل: «إنَّهُ بايَعَ الْبَيْعَتَيْنِ: بِيْعَةَ الْفَتْحِ، وبَيْعَةَ الرِّضْوانِ»( الغدير، ج 10، ص 168 وشرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد، ج 6، ص 288).
[30] عاشوراء جذورها ودوافعها وأحداثها وتداعياتها، ص: 607.
[31] نفس المصدر؛ ص608.
[32] نفس المصدر، ص: 609.
[33] نفس المصدر؛ ص610.
[34] بحارالانوار، ج 45، ص 143.
[35] عاشوراء جذورها ودوافعها وأحداثها وتداعياتها؛ ص612.
[36] نفس المصدر؛ ص621.
[37] نفس المصدر؛ ص51.
[38] وسائل الشيعة، ج 2، ص 922، باب 87، ح 7.
[39] عاشوراء جذورها ودوافعها وأحداثها وتداعياتها؛ ص51
[40] نفس المصدر، ص: 52.
[41] نفس المصدر؛ ص611.
[42] نفس المصدر؛ ص618.
[43] نفس المصدر، ص: 611.