بسم الله الرحمٰن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّدٍ وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.
السلام عليكم أيّها الحضورُ الكريم ورحمة الله وبركاته
أجدُ لِزامًا عليّ أن أعبِّرَ عن خالص تقديري وشكري لعلماء الأمّة كافّةً من مختلَف البلاد الإسلاميّة من المشارکین في المؤتمر الفکريّ الأوّل لدراسة ظاهرة التطرّف وسبل معالجتها؛ ترسیخًا لقیم المحبّة والتعایش السلميّ، سیما علماء العراق الّذین تحمّلوا المحن والمشقّات في مکافحة الإرهاب وإنقاذ الشعب العراقيّ المسلم من جرائم التیّارات التکفیریّة.
لا يخفى عليكم أنّ عالمنا اليومَ يواجه تحدّياتٍ جسيمةً لم يسبق لأمّتنا الإسلاميّة أن مرّت بها من قبلُ. وإن كنّا - بحمد الله - قد تجاوزنا بعضًا، منها متمثِّلةً بجرائم الزمر التكفيريّة المتطرّفة، بفضل مقاومة المجاهدين الأبطال، وتضحياتهم وثباتهم وصمودهم، ولا سيّما علماءَ الدين منهم، ليسطِّروا ملاحمَ الانتصارات لصالح جبهة المقاومة بأحرُفٍ من نورٍ، ويُلحِقوا الهزيمةَ والخزيَ والعارَ بأذناب أمريكا المجرمة وعملائها، إلّا أنّ ذلك لا ينبغي أن يحول دون الاعتراف بحقيقة تغلغل أفكار تلك الجماعات المتطرّفة والتكفيريّة في أوساط بعض الشرائح المجتمعيّة في بلداننا، ما يعني أنّ تلك الغدّة السرطانيّة لمّا تُستأصَلْ، الأمرُ الّذي يدعونا لبذل مزيدٍ من الجهد الحثيث والسعي الدؤوب على المستويات الدينيّة والثقافيّة بشكلٍ أوسعَ وأعمقَ، وهي مهمّةٌ ثقيلةٌ ورسالةٌ عظيمةٌ ملقاةٌ على عاتق علماء الأمّة ومفكّريها.
في هذا السياق، رأيت من اللازم أن أستعرض النقاط الثلاث التالية عليكم؛ عسى أن تكون مفيدةً:
1. في ظلّ حالة الدمار الواسعة الّتي لحقت بالبناء والحجر، والجراح الغائرة العميقة التي خُلّفت في النفوس والبشر على امتداد كثيرٍ من مناطق العالم الإسلاميّ كفلسطين وسوريّا والعراق ولبنان واليمن وأفغانستان وغيرها من الدول الإسلاميّة، نتيجةَ الفتن الّتي أثارها أعداء الإسلام وأرباب الجهل وحَمَلةُ الحقد من مدّعي الإسلام، فإنّ المسؤوليّة الملقاة على عاتقكم - يا علماء الأمّة - جسيمةٌ، وهي أثقل عليكم يا علماء بلاد العراق؛ إذ عليكم أن تبادروا للأخذ بيد شباب المنطقة من خلال طرح مبادراتٍ خلّاقةٍ، ووضع برامج إستراتيجيّةٍ ومشاريع ثقافيّةٍ، فضلًا عن اتّخاذ سبيل الشجاعة، وانتهاج منهج الرسول (ص) بالرأفة والرحمة في التعامل؛ كي تجذبوا قلوب أولئك الشباب، وتستميلوا أذهانهم؛ لتحموهم من الانجرار في أشراك الأفكار المسمومة التكفيريّة، فيجدوا حلاوة الأمن الفكريّ والاستقرار العقديّ فيتشبثّوا بكم.
2. أنّ حماية الأوطان وصون أرض الإسلام والدفاع عنها في مواجهة المعتدين الأجلاف الّذين يهلكون الحرث والنسل واجبٌ شرعيٌّ؛ إذ لم يكتف القرآن الكريم بذلك الحكم فحسب، بل زاد عليه وجوب الردّ على المعتدين بقوله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ( [سورة البقرة: 194]. ليصرِّح في مورد آخر بالنهي عن مدّ يد الصداقة للمعتدين، واصفًا المسلمين من أهل التسوية معهم بالظالمين؛ حيث يقول تعالى: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ( [سورة الممتحنة:9].
3. أنّ الغدّة السرطانيّة الصهيونيّة هي المظهر الفاقع للعدوان واغتصاب الأراضي الإسلاميّة؛ فكم من ملايين الفلسطينيين شُرِّدوا من ديارهم وهُجِّروا من وطنهم لاجئين على مدى عقودٍ من الزمن، ولا يزال صوت استغاثتهم يعلو "ياللمسلمين". ولا زالت تجربة التسوية في القضيّة الفلسطينيّة ماثلةً أمام عيوننا بمرارتها وفشل المفاوضات الّتي كانت أشبه بحوارٍ بين الذئب والحمل. ليثبت لدى المسلمين كافّةً أنّه لا سبيل لإنقاذ فلسطين الإسلاميّة سوى طريق المقاومة والجهاد، ذلك الطريق الّذي فتحه الله - تعالى - أمام الأمّة الإسلاميّة منذ 1400 عامٍ، وذمّ أولئك السذّج الّذين ينخدعون بألاعيب العدوّ، مخاطبًا إيّاهم بالتقريع والتأنيب على تقاعسهم في نصرة إخوانهم المستضعفين والمظلومين بقوله تعالى: )وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا( [سورة النساء: 75]. فعلینا وعلی المسلمین كافّةً أن نتّحد لإنقاذ الشعب المسلم المظلوم في فلسطین؛ حتّی تزول إسرائیل من خریطة الأرض.
في الختام، أرجو لمؤتمرکم النجاح، وأسأله - تعالى - أن يكون انعقاد مثل هذه الفعاليّات والمنتديات فرصةً لتلاقح الآراء والأفكار بين علماء الإسلام لكلّ ما فيه خيرٌ وصلاحٌ للأمّة، ما يعزّز حالة الاتّحاد والوحدة بين أبنائها، ويحبط مؤامرات الأعداء، ويزيل حجب الظلمة والظلام عن وجه تعاليم الإسلام العقلانيّة الفطريّة الأصيلة الّتي تشعّ نورًا للعالم.
مرةً أخرى، أكرّر شكري وتقديري لكم جميعًا، ولا سيّما القائمين على المؤتمر، سائلًا الله - تعالى - لكم ولكلّ العاملين لخدمة الإسلام الأصيل التوفيقَ والسدادَ.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
قمّ المقدّسة - ناصر مکارم الشیرازي