تلاوة هذه السورة تبعث الروح والإيمان والصفاء في النفوس، وتقرّب العبد من الله، وتبعده عن ارتكاب الذنوب والانحرافات، ولذلك كانت اُم الكتاب صاعقة على رأس (إبليس) كما ورد في تفسير نور الثقلين عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق(ع).
خصائص السورة: لهذه السورة مكانة متميزة بين سائر سور القرآن الكريم، وتتميز بالخصائص التالية:
1ـ سياق السورة: تختلف سورة الحمد عن سائر سور القرآن في لحنها وسياقها، شاء الله في هذه السورة أن يعلّم عباده طريقة خطابهم له ومناجاتهم إيّاه.
تبدأ هذه السورة بحمد الله والثناء عليه، وتستمر في إقرار الإيمان بالمبدأ والمعاد «بالله ويوم القيامة»، وتنتهي بالتّضرع والطلب.
2ـ سورة الحمد أساس القرآن: في تفسير العياشي أنّ النبي(ص) قال لجابر بن عبد الله الأنصاري: «يا جابر! ألا اُعلّمك أفضل سورة أنزلها الله في كتابه»؟ فقال له جابر: بلى بأبي أنت واُمّي يا رسول الله، علّمنيها. فعلّمه الحمد اُم الكتاب. ثم قال: «يا جابر ألا اُخبرك عنها»؟ قال: بلى بأبي أنت واُمي، فأخبرني فقال: «هى شفاء من كل داء، إلّا السّام، والسّام الموت».
وفي تفسير مجمع البيان عن النبي(ص) أنّه قال: «والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها، هى اُم الكتاب وهي السبع المثاني، وهي مقسومة بين الله وبين عبده ولعبده ما سأل».
«الاُم»: يعني هنا الأساس والجذر، ولعل ابن عباس ينطلق من هذا الفهم إذ يقول:
«إنّ لكل شيء أساسا... وأساس القرآن الفاتحة»[1] .
وفي تفسير مجمع البيان عن النبي(ص) أنّه قال: «أيّما مسلم قرأ فاتحة الكتاب اُعطي من الأجر كأنّما قرأ ثلثي القرآن واُعطي من الأجر كأنّما تصدّق على كل مؤمن ومؤمنة».
3ـ سورة الحمد شرف النبي(ص): يتحدّث القرآن الكريم عن سورة الحمد باعتبارها هبة إلهية لرسوله الكريم، ويقرنها بكل القرآن إذ يقول: (وَلَقَدْ ءَاتَيْنَاك سَبْعًا مِّنَ آلْمَثَانِى وَالْقُرْءَانَ آلْعَظِيمَ)[2] .
4ـ التأكيد على تلاوة هذه السورة: تلاوة هذه السورة تبعث الروح والإيمان والصفاء في النفوس، وتقرّب العبد من الله، وتبعده عن ارتكاب الذنوب والانحرافات، ولذلك كانت اُم الكتاب صاعقة على رأس (إبليس) كما ورد في تفسير نور الثقلين عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق(ع): «رنّ إبليس أربع رنّات، أوّلهن يوم لعن، وحين اُهبط إلى الأرض، وحين بعث محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ على حين فترة من الرسل، وحين اُنزلت اُم الكتاب».
محتوى السورة: يمكن تقسيم هذه السورة، من جهة أخرى إلى قسمين: قسم يختص بحمد الله والثناء عليه، وقسم يتضمن حاجات العبد. وإلى هذا التقسيم يشير الحديث الشريف في عيون الأخبار عن رسول الله(ص) قال:
«قال الله عزّ وجلّ: قسّمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي، فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل.
إذا قال العبد: (بِسْمِ آللَّهِ الرَّحْمَـنِ آلرَّحِيمِ). قال الله جلّ جلاله: بَدأ عبدي باسمي وحق عليّ أن اُتمّم له اُموره واُبارك له في أحواله.
فإذا قال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ آلعَالَمِينَ). قال الله جلّ جلاله: حمدني عبدي وعلم أنّ النعم التي له من عندي، وأنّ البلايا التي دفعت عنه فبتطوّلي، اُشهدكم أنّي اضيف له إلى نعم الدنيا نعم الآخرة وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا.
وإذا قال: (الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ). قال الله جلّ جلاله: شهد لي عبدي أنّي الرّحمـن الرّحيم، اُشهدكم لاُِوفّرنّ من رحمتي حظّه ولاُجزلنّ من عطائي نصيبه.
فإذا قال: (مَالِك يَوْمِ آلدِّينِ). قال الله تعالى: اُشهدكم كما اعترف بأنّي أنا مالك يوم الدّين لاُسهّلنّ يوم الحساب حسابه، ولأتقبّلنّ حسناته، ولأتجاوزنّ عن سيّئاته.
فإذا قال العبد: (إِيَّاك نَعْبُدُ). قال الله عزّ وجلّ: صدق عبدي، إيّاي يعبد اُشهدكم لاُثيبنّه على عبادته ثوابا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي.
فإذا قال: (وَإِيَّاك نَسْتَعِينُ). قال اللّه تعالى: بي استعان عبدي، وإليّ إلتجأ، اُشهدكم لاُعيننّه على أمره، ولاُغيثنّه في شدائده ولآخذنّ بيده يوم نوائبه.
فإذا قال: (آهْدِنَا آلصِّرَاطَ آلْمُسْتَقِيمَ). إلى آخر السورة، قال الله عزّ وجلّ: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل وقد استجبت لعبدي وأعطيته ما أمّل وآمنته ممّا منه وجل».
لماذا سمّيت فاتحة الكتاب؟ «فاتحة الكتاب» اسم اتّخذته هذه السورة في عصر رسول الله(ص) كما يبدو من الأخبار والأحاديث المنقولة عن النبي الأعظم(ص).
وهذه المسألة تفتح نافذة على مسألة مهمة من المسائل الإسلامية، وتلقي الضوء على قضية جمع القرآن، وتوضّح أنّ القرآن جُمع بالشكل الذي عليه الآن في زمن الرسول(ص)، خلافآ لما قيل بشأن جمع القرآن في عصر الخلفاء، فسورة الحمد ليست أوّل سورة في ترتيب النّزول حتى تسمى بهذا الإسم، ولا يوجد دليل آخر لذلك، وتسميتها بفاتحة الكتاب يرشدنا إلى أنّ القرآن قد جمع في زمن الرسول(ص) بهذا الترتيب الذي هو عليه الآن.
وثمّة أدلة اُخرى تؤيّد حقيقة جمع القرآن بالترتيب الذي بأيدينا اليوم في عصر الرسول(ص) وبأمره.
روى علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن الإمام الصادق(ع) قال: «إنّ رسول الله(ص) قال لعلىّ: يا علي! القرآن خلف فراشي في الصحف والحرير والقراطيس، فخذوه واجمعوه ولا تضيّعوه كما ضيّعت اليهود التوراة فانطلق عليّ فجمعه في ثوب أصفر ثم ختم عليه في بيته وقال: لا أرتدي حتى أجمعه».
وهنا يثار سؤال حول المشهور بين بعض العلماء بشأن جمع القرآن بعد عصر النبي(ص)، وفي الجواب نقول: إنّ ما روي بشأن جمع القرآن على يد الإمام علي(ع) بعد عصر الرسول، لم يكن جمعآ للقرآن وحده، بل هو مجموعة تتضمن القرآن وتفسيره وأسباب نزول الآيات وما شابه ذلك ممّا يحتاجه الفرد لفهم كلام الله العزيز.
كما يؤكد (حديث الثقلين) المروي في المصادر الشيعية والسنية، حيث أوصى رسول الله(ص) بوديعته: كتاب الله وعترته، أنّ القرآن كان قد جمع في مجموعة واحدة في عصر الرسول الأعظم.