من دواعی سرورنا إقامة هذا المؤتمر تحت عنوان القرآن والعلاقات الدولیة، وأرى من الضروری أن أبارک لکم، ولجمیع المشرفین المحترمین الذین أسهموا فی إقامة هذا المؤتمر من صمیم القلب.
الحقیقة هی ان القرآن المجید ینظر الى البشریة جمعاء على أنها دولة واحدة، وجمیع البشر مواطنوا هذه الدولة، والتعبیر بـ: یَا أَیُّهَا النَّاسُ؛ یَا بَنِى آدَمَ؛ یَا عِبَادِىَ؛ وَمَا أَرْسَلْنَاکَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِینَ (سورة الانبیاء، آیة 107)، وکذلک قوله تعالى لِاُنذِرَکُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ (سورة الأنعام، آیة 19)، جمیعها یشیر الى هذا المعنى.
وعلى أساس ما تقدم فالمطلوب هو اجتماع الناس جمعاء فی دولة کبیرة تتسع لتشمل کافة الأقطار فی أرجاء الکرة الارضیة، وبما إننا لم نستطیع من تحقیق هذه الرؤیة القرآنیة الى حین، والحدود الجغرافیة والسیاسیة تفصل الشعوب بعضها عن بعض فینبغی أن تسود روح الوحدة فی جیمع دول العالم، وتقیم الدول أفضل العلاقات فیما بینها على أساس الصلح والعدل.
ویتصور البعض بالخطأ إن الشریعة الاسلامیة قسمت البشریة الى قسمین منفصلین، مسلمین وغیر مسلمین، واختزلت العلاقة الحمیمة فی شریحة المسلمین، فی حین إن الاسلام قسم غیر المسلمین الى أربعة أقسام، هی:
- أهل الذمة: وهم الذین یقطنون فی دول إسلامیة، ولهم عهد صداقة، وتعاون، وتناغم فکری مع مسلمین الدولة التی یعیشون فیها، ویتمتعون بکافة حقوق المواطنة، وأموالهم وأرواحهم مصانة، والقرآن والروایات الاسلامیة تدلل على هذا المعنى.
- المعاهدین: وهم غیر المسلمین الذین یعیشون فی بلدان غیر إسلامیة الا إن لهم میثاق صداقة مع المسلمین، ویتبادلون السفراء مع الدول الاسلامیة، ولهم علاقة طیبة على أساس الإحترام المتبادل، وماداموا یحترمون هذه العلاقة الودیة ینبغی احترامهم، کما قال تعالى: إِلَّا الَّذِینَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَکُمْ فَاسْتَقِیمُوا لَهُمْ (سورة التوبة، آیة 7) ویقول کذلک: فَأَتِمُّوا إِلَیْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ (سورة التوبة، آیة 4).
- الذین لا تربطهم بنا علاقة سیاسیة ولا میثاق، إلا إنهم لا یبادرون الى خطوات عدائیة ضد المسلمین. إن القرآن یأمرنا أن نبرّ الى هذه المجموعة ونراعی العدالة فی حقها، یقول تعالى: لَّا یَنْهَاکُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقَاتِلُوکُمْ فِى الدِّینِ وَلَمْ یُخْرِجُوکُمْ مِّنْ دِیَارِکُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَیْهِمْ إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ؛ (سورة الممتحنة، آیة 8).
- المحاربین: وهم مجموعة تکن للمسلمین العداء، وتحتل أراضیهم، وتستهدف وتسفک دماء المسلمین الأبریاء، وفی حالة حرب مع المسلمین. یطالبنا الاسلام فی التعاطی مع هذه المجموعة من خلال اتخاذ الموقف الشجاع، یقول تعالى: إِنَّمَا یَنْهَاکُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ قَاتَلُوکُمْ فِى الدِّینِ وَأَخْرَجُوکُمْ مِّنْ دِیَارِکُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِکُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ یَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ (سورة الممتحنة، آیة 9).
ویطالبنا القرآن الکریم فیما یتعلق بالمحاربین فی حال اعتزلوا المسلمین، وتراجعوا عن محاربتهم، ومدّوا أیدی الصداقة إلیهم، أن لا نزاحمهم، ونرحب بمبادرتهم للصلح والوئام، یقول تعالى: فَإِنْ اعْتَزَلُوکُمْ فَلَمْ یُقَاتِلُوکُمْ وَأَلْقَوْا إِلَیْکُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَکُمْ عَلَیْهِمْ سَبِیلاً ...، (سورة النساء، آیة 90).
وطبقاً لما تقدم فإن للإسلام سیاسات واضحة فیما یتعلق بالعلاقات الدولیة مع جمیع الناس، وهو یطالب المسلمین بحفظ هذه الأواصر. نأمل أن یکون هذا المؤتمر العظیم صفحة جدیدة فی علاقات البشریة فیما بینهم، ویوسع من دائرة المعرفة بتعالیم القرآن، وینهی الظنون السیئة للمسلمین وللقرآن المجید فی کل مکان. مرة أخرى أتقدم بالشکر الجزیل لإقامة هذا المؤتمر النافع والزاخر بالعطاء. والسلام علیکم ورحمة اللَّه وبرکاته.
6 / 2 / 1388