بدایة أقدم لکم الشکر الجزیل لقاء تنظیمکم لقضایا الرثاء والشعر والمدح من الناحیة الدینیة ؛ لکنّ هذا العمل کان ینبغی أن ینجز قبل هذا التاریخ إذ تحملنا خسائر جسیمة فی هذا الصدد ؛ کما کان یجب أن ینجز هذا المشروع برویّة وتأمل ومن دون استعجال .
وشدد سماحته على أن المشاکل تتناسب طردیاً مع أهمیة الشیء فکلما زادت أهمیته ازدادت مشاکله ، وأضاف : إن عاشوراء وفضائل أهل البینت (ع) أمر فی غایة الأهمیة ؛ لأن ثورتنا الاسلامیة ما کانت لتنتصر وتواصل تألقها لولا عاشوراء ، وهی التی أوثقت عرى الارتباط بین الأجیال المتعاقبة . بناء على ذلک ، بقدر ما للموضوع من أهمیة قد یترتب علیه مشاکل مهمة أیضاً . لذا یسعى الأعداء الى توجیه ضربة قویة لهذه القضایا عن هذا الطریق .
وتابع سماحته : أتصور أن الآفات والمشاکل التی تهدد هذا الموضوع یمکن تلخیصها فی عدّة نقاط مهمة هی :
1- خطر الحملة الثقافیة الغربیة ، فأولئک یحاولون بشتى السبل فرض ثقافتهم علینا رغم اختلافها عن ثقافتنا . هم یعتقدون بلزوم توفیر کلّ شیء حتى للسلائق المنحرفة ، بینما تفرض علینا رسالتنا إصلاح السلائق وهدایة الأفکار . یجب أن نکون فی طلیعة المسیرة الثقافیة لنلبی المتطلبات الثقافیة للمجتمع ونقوده الى برّ الأمان وندعوه الى الصراط المستقیم ، لا أن نحقق الأغراض الخبیثة والسلائق المنحرفة . واذا ما سادت الثقافة الغربیة على أشعارنا ورثائنا فتلک هی المصییبة العظمى . یجب علینا أن نعمل على جعل جمیع الشعراء والمداحین یدرکون عمق الرسالة التی یضطلعون بحملها والأهداف المراد تحقیقها والعوامل التی تساعدنا على بلوغ تلک الأهداف .
2- قلة الوعی الناتجة عن تدنّی المستوى الدراسی والثقافی لبعض المداحین ، مما یؤدی الى تقییم واقعة عاشوراء وثورة الامام الحسین (ع) والنظر الیها من أفکارهم الضیقة . فعلى سبیل المثال یخاطب أحد المداحین الامام الحسین (ع) قائلاً : "أنا واثق من عدم وجود أمنیة لدیک سوى تزویج علی الأکبر" وهذا یکشف عن مدى ضحالة فکر هذا الشاعر نفسه ؛ وبذا یتبین عمق الخطر الذی یتهدد هذه الشعیرة . وبغیة النجاة من هذا الوضع المأساوی یجب على ذوی الخبرة من المداحین المخضرمین تعلیم المبتدئین منهم والأخذ بأیدیهم للنهوض بمستوى هذا الفنّ الرائع .
3- اختراق العدو لنا ولو بعدة وسائط ، وهدفهم من ذلک حرف المداحین عن المسار الصحیح السائرین علیه والتقلیل من أهمیة ثورة الامام الحسین (ع) . إن الأشعار التی تصلنا الیوم من کل حدب وصوب مرعبة حقاً ؛ إذ إنها مستقاة من ایحاءات الأعداء فلا بدّ من الیقظة والحذر . فرغم أن الوسواس شیء مرفوض إلا أنه أمر جید هنا ، فینبغی متابعة الأمر بدقة لئلا یتمکن العدو من ترسیخ ایحاءاته .
4- تغلغل الخرافات الى أعماق قضیة الرثاء ، فیُعتمد مثلاً على الأحلام والاشاعات لترسیخ فکرةٍ ما . فعلینا فی هذا الاطار خلق جوّ من التناغم والتآلف بین وسائل الاعلام الوطنیة وتنقیة تلک الشعائر من الخرافات التی طالتها .
5- الخطر الخامس یکمن فی طریقة اقامة مجالس العزاء ، فتارة لا یتوجه نقد الى المجلس إلا الطریقة التی أقیم فیها من ناحیة عدم لیاقتها بشأن الائمة (ع) رغم عدم تضمنها للحرام . وذلک من قبیل التعری وخلع الملابس أثناء العزاء ، إن لم یکن أمام أعین النساء طبعاً وإلا تحول الى الحرام ، وبعض أنواع البکاء المصحوبة بأصوات غیر منطقیة ولا متداولة حیث لم نعهد ذلک من الأئمة (ع) . یجب أن یکون البکاء باحترام وأدب ، ولا بدّ لنا من المحافظة على هیبة وقدسیة مجالس العزاء المقامة على الامام الحسین (ع) .
وخیر وسیلة للتخلص من هذه الآفات والمشاکل التی تعترض مجالکم هی الرجوع الى کیفیة إقامة الأئمة (ع) لمجالبس العزاء والحذو حذوهم . یجب وضع الید على الجرح والعثور على الدواء الناجع ، وهو ما لا یتحقق إلا عن طریق التخطیط والتوعیة والاعلام المدروس .