بسم الله الرحمن الرحیم
قبل الخوض فی هذا الامر لابد من القول بان المؤسسة المرجعیة لم تقف مکتوفة الایدی فی أیة برهة من الزمان ازاء حفظ الدین و المبادىء و الحریة و استقلال البلاد و انقاذ هذه الامة، بل کانت الرائدة دائمة و السیاقة و لا سیما خلال القرنین الاخیرین من أجل حفظ قیم و مثل الامة و سلامة البلاد، فنهضة التنباکو و المشروطة و نهضة تأمیم النفط و بالتالی الثورة الاسلامیة المبارکة لتدل بوضوح على أن هذه المؤسسة ترى وظیفتها تکمن فی الدفاع عن حیاض الدین و کیان الامة و هذا البلد. أضف الى ذلک یمکننا هنا الاشارة الى الدور الریادی الذی نهض به العلماء و المراجع فی احداث الثورة فی العراق بزعامة المرحوم المیرزا محمد تقی الشیرازی و التی وضعت حدا للاستعمار الانجلیزی و انهت هیمنته على العراق.
و بناءا على ما تقدم فحضور المراجع و ممارستهم للنشاط السیاسى لیس بالشیىء الجدید لیصاب البعض بالدهشة من مواصلة ذلک النهج فی هذه السنوات الاخیرة. و اما ما یسعى الیه البعض من اَن المواقف التی یمارسها العلماء و المراجع فی السنوات الاخیرة انما تأثرت بالمعلومات الحاصلة من القنوات الخاصة، فلا بد أن أقولها بصراحة اَن من یروج هذه الامور اِما اَن یکون مغرضا اَو جاهلا. و اقل ما یمکن أن أقوله بالنسبة لی شخصیا هو أن لی عدة قنوات للحصول على الاخبار.
فأولا أنا ملتزم کل یوم بمطالعة عناوین کافة صحف الجناحین السیاسیین فی البلاد; ما یسمى بالجناح الاصلاحی و الجناح المحافظ، طیعاً استعمال هذه المصطلحات لایعنی الایمان بها...
*ما هی الصحف على وجه التحدید التی تتطالعونها؟
أطالع على سبیل المثال بعض صحف الجناح الاصولی أو ما یصطلح علیه البعض. بجناح المحافظین، من قبیل صحیفة «کیهان» و «رسالت»، و من صحف الجناح الاصلاحی صحیفة «یاس نو» و «همبستگى» الى جانب ذلک فانی أطالع بعض الصحف المعتدلة من قبیل «جام جم» و «جمهوری اسلامی». طبعاً کنت سابقا أطالع صحیفة «همشهری» حین کانت تصل الى قم. على کل حال فان تصحف صحف کافة الاطیاف السیاسیة البلاد و مقارنتها مع بعضها تشکل احدى طرق حصولنا على المعلومات و الاخبار. و ناهیک عما سبق فأنی أشهد زیارات أبرز شخصیات الجناحین و سائر الشخصیات السیاسیة، و قد نسق بعض المسؤولین المتطرفین من جناح الثانی من خرداد مع مکتبنا الذی منحهم الوقت للقائنا و طرح ما یدور فی أذهانهم. و الى جانب کل ما سبق فانی لا ستمع لکافة الاخبار و والتحلیلات التی توردها الاذاعات الاجنبیة باللغة الفارسیة. طبعاً کنت سابقاً أنصت شخصیا لهذه الاخبار أثناء برامجی الریاضیة، الا أن الاذاعة و التلفزیون عمدت أخیرا الى تنظیم کافة الاخبار و التحالیل و التعلیقات السیاسیة و تقوم بارسالها الینا، و هکذا أحیط علما بکل هذه الاخبار التی توردها غالباً اذاعة أمریکا و اسرائیل و فرنسا ولکن و فردا البی بی سی الا اَن أهم قناة نستقبل من خلالها الاخبار انما تتمثل بمراجعات الناس و احتکاکنابهم. فالامة ترى فی المؤسسة المرجعیة أمینها الرصین على أسرارهم، الامر الذی یدفع بکافة الافراد و من مختلف الجنسیات و الاعمار الى طرح مشاکلهم على هذه المرجعیة و الاستفادة من آرائها فی اتخاذ المواقف السیاسیة و امتثال التکالیف الشرعیة. ولو شرفتم الى مکتبنا و رأیتم سعة الرسائل عبر الانترنت و الاتصالات الهاتفیة و المراجعات الشخصیة للناس، لا کتشفتم اَن القسم الاعظم منها انما بتمثل بالاخبار ذات الصلة بالامور السیاسیة و الثقافیة و الاجتماعیة التی یوردها الافراد من داخل البلاد و خارجها. بل غالباً ما تصلنا عن طریق الناس بعض الاخبار التی لیس للاجهزة الامنیة و الاستخباریة و حتى شخص وزیر الامن من علم بها. و قد شعرت عدة أحیان بامتلاکی للمعلومات التی لا یحملها الوزیر خلال لقاءاتی و التحدث معه.
*یرد من البعض الذی یورد على سبیل الکنایة تسییس المرجعیة، حیث شهدت السنوات الاخیرة تقریع المراجع لاحد الاجنحة السیاسیة و الحال لابد اَن تلتزم المرجعیة موقف الحیاد تجاه مختلف الاجنحة و التیارات السیاسیة.
ان التقریع الذی ابداه المراجع حیال أحد الاجنحة السیاسیة فی السنوات الاخیرة اِثر ضعف التنرامه بالمبادىء الدینیة لایتنا فى و الموقف الحیادی للمراجع. و الحق اَن من یورد هذا الکلام لابد اَن یرجع الى نفسه و کیانه لیقف على مواطن النقص و العیب، ولو فعل ذلک لا کتشف تلک الحقیقة المریرة و هی لابتعاد و التولی عن الحقائق الشرعیة المسلمة و تجاهل المبادىء الدینیة.
*الذریعة الاخرى لهذا الطیف هو «علنیة» ارشادات و انتقادات المراجع، لأن هذه الانتقادات و على أساس انعکاسها على الصعید السیاسی انما تتبدل عملیا الى دعایة مغرضة ضد أحد الاجنحة السیاسیة. فیقال لو کان هذا الانتقاد و دیا لما کانت هناک من حاجة لهذه العلنیة و لا مکن طرحه بصورة سریة.
لیس هناک من نسیة للمقارنة بین الارشادات السریة التی توجه الى بعض الاجهزة و المسؤولین مع تلک التوجیهات العلنیة - و لا أرانی أبالغ اذا قلت اِننا نخاطب بعض الاجهزة و الافراد بصورة سریة کل یوم. و ان کانت هناک بعض التوجیهات و الانتقادات العلنیة فانها تستند الى ضرورة تعبئة الرأی العام و الفات نظره الى ما یحدث فی البلاد.
*هل من مثل على هذه الامور؟
ان ملاکنا الکلی فی علانیة الانتقادات هو عدم نشر التوجیهات السریة التی نبدیها فی هذا المجال. و قد جرت عادتنا على اصلاح بعض الامور اللاشرعیة و الخاطئة من خلال النصح و الارشاد بعیدا عن کافة أجواء التوتر، و قد ابدیت أکثر توجیهاتی بصورة سریة رغم اَن علانیتها لا تنطوی على آیة مشکلة حرصا على الابتعاد عن کل ما من شأنه تعکیر الجو. الا انه اتضح لدینا بما لایقبل الشک اَن بعض المسؤولین لیسوا مستعدین للکف عن تصرفاتهم الخاطئة و الطائشة، و هذا ما دفعنا لتعبئة الرأی العام المتدین بغیة لحیلولة دون استفحال الامور المخالفة للشرع المقدس.
*ما مدى تأثیر هذه التوجیهات؟
الواقع کان لهذه التوجیهات أثرها الایجابی فی أغلب المواقع. طبعاً کان هذا التأثیر مطلقاً فی الاحیان کما کان نسبیا فی أحیان أخرى، و قد دلت التجربة على عمق التأثیر حین نهم باصلاح بعض الامور من خلال ارسال الرسائل أو مشافهة الطرف المقابل. و من هنا أوصیت سائر الاخوة بعدم التحفظ عن ابداء النصح حتى فی حالة أدنى التأثیر. و بالطبع و مما یؤسف له اَن بعض المسؤولین و بدلا من الاستجابة للنصائح الخیرة للمراجع عمدوا الى اثارة الاجواء و تالیب الرأی العام ضد المرجعیة.
و اقولها هنا بصراحة أن مثل هذه الاسالیب و الممارسات و الطعن سوف لن تشیننا عن مواصلة النصح و الارشاد. و قد طالعنا أخیرا المتحدث الرسمی للدولة باشنع التعابیر ازاء و جهات النظر التی ابداها المراجع بشأن معاهدة رفع التمییز عن المرأة و اصفا هذه الاراء بالزوابع و الضجیج، فما کان منی الا أن و جهت رسالة الى بعض المسؤولین فی الدولة لافتا أنظارهم الى انه لیس من الصحیح اَن یتهجم الناطق الرسمی للدولة بهذا الشکل السافر على المرجعیة، و أضفت اَن مثل هذه الحملات و التعابیر الرکیکة الطائشة لایمکنها اَن تصد أولیاء الله عن القیام بوظائفهم الشرعیة.
*هل حصلت لحد الان بعض الامور التی صرفتکم عن ابداء النصح و الارشاد؟
أبدا! کلما شعرت بوظیفتی فی الاعتراض على بعض الممارسات أو إبداء النصح و الارشاد قمت بها ولم اکترث لأی شیىء، طبعاً لم اکترث فی هذا المجال حتى لما یبدیه بعض الاخوة ممن یشیرون علی السکوت حرصا على المصلحة.
*ماذا کانوا یشیرون علیکم مثلا؟
مثلا أرى أحیانا فردا و قد تزعم صناعة حساسة فی البلاد دون اَن یکون له اختصاص بهذه الصناعة أو النهوض بمسؤولیتها، لأنه فقط ینتمی الى الجناح الفلانی. فکان الاخوة یشعرون بالقلق بان بعض العناصر الطائشة قد لا تتورع عن مجانبة الخلق و الادب فتتجاوز على حرمة المرجعیة. فکنت أرد علیهم بان کل ما تحظى به من شرف و احترام فانما کسبناه من الدین و اشرع، و علیه فاننا لا نألوا جهدا فی المخاطرة بهذا الشرف صونا للدین و القیم الشرعیة. و بالطبع اثبتت التجربة بان اخلاص النیة فی الدفاع عن الشریعة المقدسة لیس فقط لایسلب الانسان حیثیته، بل یزیدها و یضاعف من حجمها.
*من الامور الاخرى التی مارسها الجناح المسمى بالاصلاحی حیال المرجعیة فی السنوات الاخیرة «اثارة المسائل المناهضة للشرع، و اشاعة الفساد عن طریق الاعتراض العلنی، طبعاً یحاولون بادىء ذی بدء نسب هذه الامور الى بعض وسائل الاعلام الاصولیة کصحیفة کیهان فی أنها تمهد السبیل باخبارها أمام المراجع و العلماء و المتدینین لابداء إعتراضاتهم، فماردکم على ذلک؟
ابداء و جهات النظر بشأن حقل واسع من المقولات السیاسیة و الاجتماعیة یصطلح علیه «بین المحذورین»; یعنی التحدث فی بعض المواقع و السکوت ینطوی على مشاکل، و لا بد فی مثل هذه الحالات من معرفة الاهم و ممارسته، کتلک القضیة التی حدثت فی صحیفة «موج» و تلک التمثیلیة التی انطوت على الاهانة و الانتهاک، الا ان المصلحة اقتضت الوقوف بوجهها بهدف الحد من اتساع رقعة هذه الانتهاکات و قبرها فی مهدها. ولولا الحیلولة دون هذه الانتها کات الکبیرة التی یصعب تحملها و من مثل هذه الصحیفة المحدودة الانتشار و القلیلة العدد لشهدنا سرایة هذه القضایا الى الصحف الرئیسیة ذات الانتشار الواسع فی البلاد. من جانب آخر فان عدم ممارسة المسؤولین لوظائفهم و مهامهم فی الوقوف بوجه هذه العناصر الفاسدة التی تسیئى الى معتقدات الامة، لاتدع من مجال سوى النهوض بالمسؤولیة التأریخیة فی فضح هذه الاسالیب و تعبئة الرأی العام ضدها - و علیه و رغم حرصنا على عدم اطلاع الامة على المضامین الموهنة لتلک الصحیفة، الا انه لابد من الوقوف بخرم کی لا تذهب الظنون ببعض الافراد و الوسائل الاعلامیة انه یمکن تجاوز الخطوط الحمراء.
*أتعتقدون انه أمکن وضع حد لهذا النوع من الاهانات؟
على الاقل لم یحدث بعد حادثة تلک الصحیفة من اهانة للائمة المعصومین(علیه السلام). فقد توصلت هذه العناصر الى عدم امکانیة تکرار مثل هذه الاساءات اثر الحساسیة القصوى التی ابداها المراجع و العلماء الاعلام تجاه تلک الانتها کات.
*اشرتم الى تأثیر توجیها تکم، و أفضل شاهد على ذلک ما حدث من تغییر شمل وزارة الارشاد اثر الانتقادات التی وجهها المراجع و الاعلام، حیث عزل آنذاک وزیر الارشاد، فهل انتم راضون عن الاوضاع الثقافیة للبلاد و لا سیما أنشطة وزارة الارشاد؟
فی الحقیقة و الواقع اَن الاوضاع الراهنة التی تشهدها الحالة الثقافیة لا تروق لأی من المراجع، و بالطبع هنالک سلسلة من العوامل الداخلیة و الخارجیة التی دعت الى مثل هذه الاوضاع کما أن الحالة المزریة التی یعیشها الارشاد و ما ینطوی علیه من الفوضى و الهرج و المرج على صعید الصحافة و طباعة الکتب و الموسیقى و السینما انما افرزها ضعف و خواء هذه المؤسسة فی ممارسة وظیفتها فی الاشراف. فلو نهضت مؤسسة الارشاد بالمسؤولیة الملقاة على عاتقها فی مجابهة التخلفات التی تحصل لما آل الامر الى السلطة القضائیة - أضف الى ذلک فان الاعتراضات السابقة جعلتنا نقف على فضاضة السیاسة الحاکمة على هذه الوزارة لا الشخص الذی اذا ذهب زالت هذه الانتقادات و الاعتراضات.
*هل مازلتم تشکون من الصحافة؟
للاسف، نعم، فقد تجاوزت الصحافة مصالح الامة و حفظ حیثیة التظام و البلاد، و حیث نشطت هذه الصحافة فی طرح متبنیات الحزب أو االجناح فان همها الرئیسی قد ترکز على اِقصاء الجناح المنافس عن المیدان. الى جانب ذلک کانت هناک التضحیة بالغالی و النفیس من أجل تحقیق هذه الهدف من قبیل انکار ضروریات الدین و انتهاک حرمة المقدسات الدینیة و تشویه سمعة النظام الاسلامی. و نموذج ذلک واضح فی ما حدث أخیرا بالنسبة لقتل هذه الصحفیة حیث خاضت بعض صحف البلاد باتهام النظام و قواه الثوریة بهذا القتل رغم عدم وضوح القضیة من قبل السلطات القضائیة و الوقوف على ملابساتها. طبعاً لا یسعنی الاعتراض على محاکمة شخصى أو فئة أن عمدت لارتکاب القتل، بل الکلام فی أن مثل هذا الاتهام الذی لا یستند الى أی أساس ان دل على شیئى فانما یدل على عدم الاحساس بالمسؤولیة تجاه النظام الاسلامی، و کأن یعض الصحف لم تستوعب اَن المنافع الوطنیة و المصالح القومیته لأی شعب لیست بمعزل عن عقائده و ثقافته. و علیه فان انتهاک العقائد و المبادىء الدینیة لهذه الأمة هو مصداق بارز للعمل على خلاف المصالح الوطنیة. فلو کرسنا جهودنا لاضفاء القدسیة على الدیمقراطیة .