بعد عرض لمقاطع من تاريخ بني إسرائيل، تطرح هذه الآية الكريمة مبدأ عاماً في التقييم وفق المعايير الإلهية، وهذا المبدأ ينص على أنّ الإيمان والعمل الصالح هما أساس تقييم الأفراد، وليس للتظاهر والتصنّع قيمة في ميزان الله: (إِنَّ آلَّذِينَ ءَامَنُوا وَآلَّذِينَ هَادُوا وَآلنَّصَارَى وَآلصَّابِئِينَ (1) مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَآلْيَوْمِ آلاَْخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) .
تساؤل هام: بعض المضللين اتخذوا من الآية الكريمة التي نحن بصددها وسيلة لبثّ شبهة مفادها أنّ العمل بأي دين من الأديان الإلهيّة له أجر عند الله، وليس من اللازم أن يعتنق اليهودي أو النصراني الإسلام، بل يكفي أن يؤمن بالله واليوم الآخر ويعمل صالحاً.
الجواب: نعلم أنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً، والكتاب العزيز يقول: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ آلاْسْلَـمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (2).
كما أنّ القرآن مليء بالآيات التي تدعو أهل الكتاب إلى اعتناق الدين الجديد، وتلك الشبهة تتعارض مع هذه الآيات. من هنا يلزمنا أن نفهم المعنى الحقيقي للاية الكريمة. ونذكر تفسيرين لها من أوضح وأنسب ما ذكره المفسرون:
1ـ لو عمل اليهود والنصارى وغيرهم من أتباع الأديان السماوية بما جاء في كتبهم، لآمنوا حتماً بالنبي(ص) لأنّ بشارات الظهور وعلائم النبي وصفاته مذكورة في هذه الكتب السماوية.
2ـ هذه الآية تجيب على سؤال عرض لكثير من المسلمين في بداية ظهور الإسلام، يدور حول مصير آبائهم وأجدادهم الذين لم يدركوا عصر الإسلام، تُرى، هل سيؤاخذون على عدم إسلامهم وإيمانهم؟
الآية المذكورة نزلت لتقول إنّ كل اُمة عملت في عصرها بما جاء به نبيّها من تعاليم السماء وعملت صالحاً؛ فإنّها ناجية، ولا خوف على أفراد تلك الاُمة ولا هم يحزنون.
فاليهود المؤمنون العاملون ناجون قبل ظهور المسيح، والمسيحيون المؤمنون العاملون ناجون قبل ظهور نبي الإسلام.
1. «الصابئين»: كانوا في الأصل أتباع أحد الأنبياء وإن اختلف المحققون في تعيين نبيّهم، وعدد هؤلاء قليلوهم في حالة إنقراض.
2. سورة آل عمران /85.