قال تعالى: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ آلْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِى ذلِكُم بَلاَءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ).
في هذه الآية إشارة إلى نعمة كبيرة اُخرى، منّ بها الله سبحانه على بني إسرائيل، وهي نعمة تحريرهم من براثن الظالمين.
القرآن عبّر بكلمة «البلاء» عمّا كان ينزل ببني إسرائيل من عذاب يتمثل في قتل الذكور واستخدام الإناث لخدمة آل فرعون.
و«البلاء»: يعني الإمتحان، فالحوادث والمصائب التي نزلت ببني إسرائيل كانت بمثابة الامتحان لهم، كما قد يأتي البلاء بمعنى العقاب، لأنّ بني إسرائيل سبق لهم أن كفروا بنعمة ربّهم، فكان ما أصابهم من آل فرعون عقاباً على كفرانهم.
من الملفت للنظر أنّ القرآن يسمي ذبح الأبناء واستحياء النساء عذاباً، ولو عرفنا أنّ استحياء النساء يعني استبقائهن، وتركهن أحياء، لاتضح لنا أنّ القرآن يشير إلى أنّ مثل هذا الاستبقاء المذل هو عذاب أيضاً مثل عذاب القتل، وهذا المعنى يشير إليه الإمام أميرالمؤمنين علي(ع) إذ يقول:
«فالموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين»[1] .
عملية الإماتة كانت شاملة للذكور والإناث مع اختلاف في ممارسة هذه العملية، وفي عالمنا المعاصر يمارس طواغيت الأرض عملية الإماتة أيضاً بأساليب اُخرى، وذلك عن طريق قتل روح الرجولة في الذكور، ودفع الإناث إلى مستنقع إشباع الشهوات.
النجاة من آل فرعون:
الآية السابقة أشارت إلى نجاة بني إسرائيل من براثن الفرعونيين، وهذه الآية توضح طريقة النجاة: (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا ءَالَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ).
قضية غرق آل فرعون في البحر ونجاة بني إسرائيل وردت في سور عديدة مثل سورة الأعراف الآية (126)، وسورة الأنفال الآية (54)، وسورة الإسراء الآية (103)، وسورة الشعراء الآية (63 و66)، وسورة الزخرف الآية (55)، والدخان الآية (17) وما بعدها.
في هذه السور ذكرت كل تفاصيل الحادث، أمّا هذه الآية فاكتفت بالإشارة إلى هذه النعمة الإلهية في معرض دعوة بني إسرائيل إلى قبول الرسالة الخاتمة.
الهدف من تذكير بني إسرائيل بهذا الحدث الذي بدأ بخوف شديد وانتهى بانتصار ساحق، هو دفعهم للشكر وللسير على طريق الرسالة الإلهيّة المتمثلة في دين النبي الخاتم.
كما أنّه تذكير للبشرية بالامداد الإلهي الّذي يشمل كل اُمّة سائرة بجدٍ وإخلاص على طريق الله.
[1] . نهج البلاغة، الخطبة 51.