يقول الإمام الصادق (ع): «أَفْضَلُ الْعِبادَةِ إِدْمانُ التَّفَكُّرِ فِي اللّهِ وَفِي قُدْرَتِهِ»[1] .
الظاهر من التفكّر في الله سبحانه، هو التفكّر في قدرة الله تعالى، لأنّه ورد في النصوص الدينيّة: «تفكّروا في كلّ شيء ولا تفكّروا في ذات الله»[2] ، فكيف يمكن لممكن الوجود والمحدود والمحتاج والذي يعيش أسير الزمان والمكان والجسميانيّة والكيفيّة والكميّة وأمثال ذلك، أن يحيط علماً بذات واجب الوجود اللامتناهي والذي يتجاوز حدود الزمان والمكان والجسميانيّة والكيفيّة والكميّة وأمثال ذلك، ومن هذه الجهة فنحن بإمكاننا أن نعلم علماً اجمالياً بالذات المقدّسة لا علماً تفصيلياً؛ لأنّ العلم التفصيلي بذات الله تعالى غير ممكن، ولكننا نعلم علماً تفصيلياً بقدرة الله تعالى المطلقة، ومعلوماً أنّ الذات المقدّسة خفيّة عن المخلوقات بقدر ما تكون قدرته ظاهرة وجليّة لمخلوقاته.
ويشير الباري تعالى في سورة الذاريات إلى هذا المعنى ويقول: (وَفِي الاَْرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ)[3] .
وإحدى علامات قدرة الله تعلى وعظمته ما نراه من آيات جليّة في بدن الإنسان، مثلاً كبد الإنسان هذه الآية الإلهيّة تصنع في داخلها مادّة بإمكانها أن تحدث تأثيراً على عدد من المواد السامة، فما أعظم الابداع في هذا العضو الصغير في بدن الإنسان؟
وإحدى العلامات والآيات الأخرى لقدرة الله تعالى وعظمته، تكوين الخليّة الحيّة في بدن الإنسان والحيوان، حيث يعتقد العلماء: «إنّ محلّ كلّ خليّة من خلايا البدن، والصغيرة جدّاً بالنسبة إلى بدن الإنسان بمثابة الآجر في البناية الذي يبنى منه بدن الإنسان، وكلّ خليّة أعظم في بنيتها من بناء مدينة كاملة وكبيرة»[4] ، وقد كتب العلماء عن بنية الخليّة كتباً كثيرة ومتنوعة وتبلغ عدّة آلاف من الصفحات، أجل، إنّ آثار صنع الله تعالى وقدرته المطلقة واضحة وجليّة في كلّ مكان وفي كلّ مظهر من مظاهر الطبيعة، فيجب على الإنسان أن يتأمل في هذه الآيات ومعالم الطبيعة ليدرك قدرة الله وعظمته من خلال ما ينعكس على الطبيعة وعالم الوجود من هذه القدرة والعظمة.
يقول الشاعر:
أَتَحسبُ أَنّك جُرمٌ صَغِيرٌ وَفِيك انطوى العالمُ الأكبرُ
وثمّة نقطة ظريفة في هذا الحديث الشريف، وهي ينبغي على الإنسان أن يديم التفكّر في الله تعالى وفي قدرته ويستمر في التأمّل في آيات الباري تعالى، وهو الأمر الذي أشارت له الآية الكريمة:
(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامآ وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماوَاتِ وَالاَْرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَك فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[5] .
أحياناً نصل إلى حالة الأرق، ونفكّر في منتصف الليل بأحد المخلوقات الإلهيّة ونتدبرّ في عجائب صنع الله تعالى، وما نتأمل في عظمة الخلقة وبما يتبادر إلى ذهننا من صور لعجائب الخلقة ونشعر باللذة والراحة في أعماق وجودنا ثمّ نستسلم لنوم مريح.
أجل، إنّ النظر إلى أسرار السماوات والأرض وما يتضمّنه عالم الحيوانات والنباتات والأحياء والبحار والحشرات في أعماق الأرض والعجائب والغرائب، والأهمّ من كلّ ذلك التفكّر فيما يخصّ بدن الإنسان المحيّر واقعاً، هذا النمط من التفكّر هو أفضل عبادة لله تعالى.
[1] . أصول الكافي، ج 2، ص 55، باب التفكّر، ح 3.
[2] . ميزان الحكمة، ج 6، ص 2498، باب 2616، ح 12296 به بعد.
[3] . سورة الذاريات، الآيتان 20 و 21.
[4] . اُنظر شرح هذا الموضوع في كتاب خالق العالم (آفريدگار جهان)، ص113 فصاعدآ، تأليف سماحة آية اللهالعظمى مكارم الشيرازي (مدّظلّه).
[5] . سورة آل عمران، الآية 191.