مقام اليقين والرضا

مقام اليقين والرضا


إنّ الإيمان بالله تعالى وباليوم الآخر لا ينفع الإنسان فقط في الآخرة والحياة بعد الموت، بل هذه العقيدة تنفعه أيضاً في هذه الدنيا وهذه الحياة.‌

يقول الإمام الصادق(ع) :

«إِنَّ اللّهَ بِعَدْلِهِ وَقِسْطِهِ جَعَلَ الرَّوْحَ وَالرّاحَةَ فِي الْيَقينِ وَالرِّضا، وَجَعَلَ الْهَمَّ وَالْحُزْنَ فِي الشَّك وَالسَّخَطِ»[1] .

 

 معنى العدل والقسط

قلنا في بحث الروايات المتعلّقة بالإمام المهدي (عج)[2] ، وعندما وصلنا إلى حديث: «يَمْلاَُ الاَْرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَما مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً»[3] ، قلنا بوجود الظلم والجور، وأحدها يتعلّق بالتجاوز على حقوق الآخرين، والآخر يعني اعطاء حقّ الإنسان إلى شخص آخر، وهو ما يسمّى بالتمييز، وبعبارة أخرى، إنّ الظالم أحياناً يسلب الآخرين حقوقهم وأموالهم ويأخذها لنفسه، وأحياناً أخرى لا يأخذها لنفسه بل يعطي حقّ شخص إلى شخص آخر، وكلا هذين الأمرين من الظلم وهو عمل قبيح ومذموم، ولكن الأوّل يدعى بالظلم، والآخر يدعى بالجور.

والنقطة المقابلة له هي العدل والقسط، فالعادل هو الشخص الذي لا يتجاوز على حقّ شخص آخر ولا يأخذه لنفسه، والقاسط هو الشخص الذي لا يعطي حقّ شخص لشخص آخر بدون حقّ.

وفي عصر ظهور الإمام المهدي (عج) فإنّ هذا الإمام(ع) سيقيم القسط والعدل معاً، يعني أنّ حكومة الإمام المهدي(ع) لا تتحرّك على صعيد غصب حقوق الآخرين والاستيلاء على أموال الناس وممتلكاتهم، وكذلك لا تعطي حقّ شخص إلى شخص آخر، خلافاً لما نراه في عمل وسيرة الحكومات غير الإلهيّة، فهذه الحكومات تسلب الناس حقوقهم وأموالهم وتستولي على ممتلكاتهم، وكذلك تعطي حقّ بعض الناس إلى الآخرين وتتعامل مع أفراد المجتمع بآلية التمييز فيالحقوق.

 

عناصر الراحة والسكينة

وفقاً للرواية مورد البحث، فإنّ الله تعالى وبمقتضى عدله وقسطه، فإنّه قد جعل الراحة والسكينة والاستقرار النفسي في حالة اليقين والرضا، والظاهر أنّ كلمة «روح» تعني الاستقرار والهدوء المعنوي، وكلمة «الراحة» تعني الاستقرار والهدوء المادّي، وهذا يعني أنّ الله تعالى قد جعل الهدوء المعنوي والاستقرار المادّي في اليقين والرضا، يتعلّق اليقين بالإيمان بالذات المقدّسة واليقين بصفاته وأسمائه الحسنى، اليقين بقدرته وقوّته المطلقة، اليقين برحمانيّته ورحيمته تبارك وتعالى، اليقين برازقيّة الله تعالى وأمثال ذلك، والخلاصة أنّ الإنسان عندما يصل إلى مقام اليقين في هذه الأمور ويشعر بالرضا بمقدّرات الباري تعالى عليه، فإنّه يعيش في الدنيا الهدوء المعنوي والراحة النفسيّة ويحظى بالآخرة بالسعادة الأبديّة.

 

منشأ المشاكل وحالات القلق

إنّ منشأ وأصل المشاكل وحالات التوتر والقلق الذي يعيشها الإنسان في هذه الحياة تعود إلى الأمور التالية:

1. سيل الحوادث: من قبيل الزلازل، والأعاصير، والسيول المدمّرة وظاهرة السونامي وحوادث الأخرى من البلايا الطبيعيّة، وهذه الحوادث تمثّل سبباً وعاملاً من أسباب الاضطراب والتوتر في هذه الحياة.

2. الأعداء الأقوياء والضعفاء: فالعدوّ بأي مقدار يملكه من القدرة والقوّة فإنّه يحاول التآمر والتخطيط لتخريب وتدمير حياة الإنسان والمجتمع، ومن هذه الجهة فالعدوّ عامل من العوامل المهمّة في سلب الراحة الفكريّة والنفسيّة لدى الإنسان.

3. التفكير في الرزق وتحصيل المال: الإنسان يعيش دائماً في التفكير في الرزق وتحصل المال لتمشية أموره المعاشية ومَن يتعلّق به، ويفكّر ماذا سيصنع في حال الشيخوخة والعجز وعندما يفقد القدرة الماديّة والبدنيّة على الكسب والعمل؟ وماذا ستكون حالة زوجته وأطفاله بعد موته، ومَن يتكفّل معيشتهم وتدبير أمورهم بعده؟ وعلى هذا الأساس، فإنّ التفكير في الرزق والإمكانات المادّية وأمور المعاش تعتبر من الأسباب والعوامل التي تثير القلق والتوتر في الإنسان.

4. فقدان الإمكانات: وأحد العوامل الأخرى في إثارة حالة القلق والتوتر وعدم الاستقرار، الخوف من فقدان المقام والقدرة والمال والثروة، فالإنسان يتحدّث مع نفسه ويقول: إذا زالت قوّة الشباب وانتهت هذه المرحلة فماذا سأصنع؟ إذا فقدت المقام والمنصب فماذا سيحصل لي بعد ذلك؟

ولو أننا كنّا نملك هذين الأصلين للإيمان وهما: اليقين بقدرة الله تعالى المطلقة ومشيئته غير محدودة، وأنّ الله تعالى قادر على حلّ جميع المشكلات والتعقيدات، وأنّ الله تعالى هو الذي وعد جميع أفراد البشر بل جميع المخلوقات والأحياء بضمان رزقهم في الحياة: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)[4] ، وشعرنا بالرضا لما يدبّره الله تعالى لنا في واقع الحياة وما فيه صلاحنا وخيرنا، فإنّ ذلك من شأنه الغلبة على جميع العوامل المذكورة للقلق والتوتر وتبدلها إلى راحة وسكينة وشعور بالبهجة والرضا في أعماق نفوسنا، ولو أننا اعتقدنا وآمنا بالصفات الإلهيّة فسوف نعلم يقيناً بأنّ الله تعالى لا يريد لنا سوى الخير والصلاح وأنه هو الرحمان الرحيم، والرازق والقادر والعالم، وهو الذي يرزق أعداءه فكيف ينسى أصدقاءه وأحباءه؟ ومع هذه العقيدة وهذا الإيمان القلبي، فإذا حدث أمر مؤلم للإنسان، وإذا واجه الإنسان في حياته حادثة غير ملائمة فسوف يشعر بالرضا مع هذه الحادثة، لأنّه لا يعلم بالحال والمستقبل ولكنّه يعلم يقيناً بأنّ الله تبارك وتعالى عالم بذلك ولا يريد له سوى الخير والصلاح.

أمّا الشخص الذي لا يملك مثل هذا الاعتقاد فمن الطبيعي أنّه لا يرضى بما قدّر الله تعالى له وسوف يعيش الاضطرار والتوتر في كلّ ما يواجهه من حوادث مؤلمة ويتصوّر أنّ الله تبارك وتعالى قد ظلمه بهذا التقدير وأنّه يتعامل معه من موقع العداوة ولا يريد له الخير والصلاح، وهذه الحالة تتسبّب في سخط الله تعالى على هذا الشخص.

 

المشكلة المهمّة للبشر في العصر الراهن

في الختام نرى من اللازم بيان هذه الحقيقة المهمّة وهي أنّ الإيمان بالله تعالى وباليوم الآخر لا ينفع الإنسان فقط في الآخرة والحياة بعد الموت، بل هذه العقيدة تنفعه أيضاً في هذه الدنيا وهذه الحياة.

وإحدى المسائل التي تواجهها البشريّة في العصر الراهن، تتمثّل في الأمراض النفسيّة والعصبيّة، وغالبيّة المرضى من الأشخاص الذين يعانون مثل هذه الآلام والمشاكل النفسيّة وأكثر الكتب تمّ تأليفها في هذا المجال أيضاً، أي في دراسة وعلاج الأمراض النفسيّة من قبيل: الكآبة المزمنة، والقلق العصبي، والاضطراب النفسي، وحالات الانتحار وأمثال ذلك، فهذه كلّها ناشئة من حالة القلق النفسي والعصبي الذي يعيشه الإنسان المعاصر، والذي يعود قسم كبير منه إلى عدم إيمان هؤلاء المرضى وعدم ارتباطهم بالله تعالى، يقول أحد العلماء: «إذا أردتم أن تعيشوا السلامة، فعليكم بالتدين، فهو الذي يحفظكم».

والنتيجة، أنّ الإنسان المؤمن يعيش في راحة وطمأنينة في حياته، أمّا الإنسان غير المؤمن فإنّة يعيش حالات القلق والاضطراب والتوتر وفي نهاية المطاف قد تقوده هذه الحالات إلى الانتحار وانهاء حياته البائسة، ويتبيّن ذلك من زعماء الدنيا عندما يتمّ إزاحتهم من كرسي السلطنة فإنّهم سيمرضون بعد أيّام قلائل، ولكن الإمام عليّ(ع) إزيح عن مقام الخلافة أكثر من 25 سنة، ولكنّه لم يأبه بذلك أبداً.

 

[1] . أصول الكافي، ج 2، ص 57، باب فضل اليقين، ح 2.

[2] . الحكومة العالميّة للإمام المهدي 7، ص 179.

[3] . بحار الأنوار، ج 12، ص 195، ح 19.

[4] . سورة الذاريات، الآية 22.

captcha