أسرار عظمى.. هذه الافكار تؤرق الجميع و لا سيما الشباب

أسرار عظمى.. هذه الافكار تؤرق الجميع و لا سيما الشباب


من أين أتينا؟ إلى أين نذهب؟ أين نحن الآن؟ ما دورنا في الاحداث؟ وبالتالي ما وظيفتنا؟ هذه هي الأسئلة التي يفكر فيها الإنسان مهما قلّ ذكاؤه، غاية ما في الأمر أنّ الأعم الأغلب يمر عليها مرور الكرام، وبالعكس فهناك من يتابعها، بحيث يوردها أحياناً كأسئلة لا جواب لها، على كل حال، لا أظن هناك من شخص غير متعطش لسماع أجوبة الاستفسارات المذكورة مهما كانت قصيرة.‌

من أين أتينا؟ إلى أين نذهب؟ أين نحن الآن؟ ما دورنا في الاحداث؟ وبالتالي ما وظيفتنا؟ هذه هي الأسئلة التي يفكر فيها الإنسان مهما قلّ ذكاؤه، غاية ما في الأمر أنّ الأعم الأغلب يمر عليها مرور الكرام، وبالعكس فهناك من يتابعها، بحيث يوردها أحياناً كأسئلة لا جواب لها، على كل حال، لا أظن هناك من شخص غير متعطش لسماع أجوبة الاستفسارات المذكورة مهما كانت قصيرة.

فهل يسعنا الاكتفاء باستمرار الحياة التي تقتصر معانيها على الأكل والشرب والنوم والملبس والمسكن والقضايا الجنسية، ولا يعنينا ماذا كنّا قبل ذلك وماذا سنكون؟ أو ليس هذا اللون من التفكير يتناسب وحياة بعض الحيوانات والحشرات؟ وما الداعي لأن يحصر الانسان نفسه في هذا القفص الوضيع والصغير ولا يطلق العنان لفكره ليسبح ويعوم في هذا الفضاء الواسع الرحب؟ طبعاً لعلنا لا نمتلك أجوبة واضحة على جميع هذه الأسئلة والاستفسارات، فقد تنطوي بعضها على هالة من الغموض والابهام، فنكتفي بالردود التي قد لا تخلو من بعض الالتباسات، حيث لا يوجد سبيل آخر بالنسبة للأشياء التي تمتد جذورها إلى الأزل حيث لا يمكنها أن تكون على درجة من الوضوح مقارنة بالمسائل المرتبطة باليوم والأمس القريب، أضف إلى ذلك فإنّ سماع الجواب الغامض كرؤية الشبح من بعيد كيفما كان أحسن من عدم الرؤية أساسآ.

لقد بذل الفلاسفة والعلماء جهودهم من أجل التوصل إلى الاجابة على هذه الأسئلة، وقد أسعدنا الحظ على العثور على سبل الاجابة بصورة أسرع وأبسط من خلال الاستعانة بجهودهم وسعيهم.

أسرار عظمى.. هذه الافكار تؤرق الجميع و لا سيما الشباب

إننا نبحث عن الجديد دائماً، وندين إليه بالفضل في نشاطنا وحيويتنا، ولو كانت الحياة رتيبة، لسئمناها وفارقناها مسرعين. ولعل ذلك هو السبب في تجدد أشكال وصور حوادث الحياة كل يوم، بهدف إلفات نظرنا إليها وجلب انتباهنا نحوها، كما يمكن أن يعزى سر مضاعفة النشاط لدى الشباب، وأعظم منه لدى الأطفال، إلى ذلك الأمر، حيث يرون أكثر من غيرهم أنّ الدنيا تحمل أكثر من جديد.

أنا أيضا حين أفقت لنفسي آنذاك، وشق فكري سبيل الاستقلال، وهي الفترة التي اصطلح الناس على تسميتها بالبلوغ، كان كل شيء بالنسبة إليَّ جديدآ، إلّا أنني كنت أستغرق أكثر في «أسرار الوجود»، وكانت هنالك عدّة أسئلة تشغل ذهني، وكانت تبدو لي تلك الأسئلة بمثابة جبال شماء وخطيرة مرعبة تخترق بقممها الحادة والمرتفعة قلب سماء الفكر البشري وتغوص في أعماقه، كنت أشعر بالضبط أنّ أفكاري تجاه هذه الأسئلة بمثابة زورق صغير إضطرب وسط أمواج بحر متلاطم عميق، فأتمنى أحيانآ أن تغادر روحي هذا القفص المسمى بالجسد فتعيش الحرية وتحلق مع الملائكة التي تجوب السموات لعلي أظفر بضالّتي هناك وهي الاجابة على هذه الاستفسارات.

حقّاً كانت تلك الاسئلة بمثابة حجر ثقيل تربع على صدري وأخذ ينهش روحي، لكن كان عزائي في الأمل بالتوصل إلى الاجابة في يوم من الأيّام، نعم كنت أعيش بهذا الأمل.

والآن اسمحوا لي باستعراض تلك الأسئلة التي تثقل كاهل الروح، لأني عازم على أن أصور لكم الشعور الذي كان ينتابني آنذاك.

* كنت أتساءل: ما الهدف والغاية من كل هذه الكواكب المضيئة اللامعة وهذه المجرّات والمنظومات والعوالم الضخمة ذات الأسرار العظيمة والتي لا تبدي لنا سوى جانبآ من روعة وجودها وتثير لدينا العديد من الأسئلة والاستفسارات وتحيط قلوبنا بهالة من الوسواس والحيرة؟ بل ما هو الهدف الرئيسي من عملية الخلق؟

* ما الهدف من وجودنا في هذا العالم؟

من أين جئنا؟

وأين سنذهب؟

وما النتيجة المترتبة على ذهابنا وإيابنا؟

لم يكن لدينا أي اختيار في خلقنا، بدليل إنّنا لم يستشرنا أحد لا في زمان ولادتنا ولا في مكانه، ولا في أي شأن من شؤون وجودنا، وعليه فما دورنا في هذا الوسط؟!

* هل من خالق لعالم الوجود وقد أرساه على ضوء خطة وهدف ثم سينتهي به إلى غاية محددة طبق تلك الخطة المرسومة؟ أم أصبح بهذا الشكل صدفة اِثر عوامل غامضة ليست مبرمجة ودونما أي هدف وغاية، وبالتالي فهو يسير نحو العشوائية، بدون خطة ولا فكر ولا هدف؟

* مسألة الزمان هي الأخرى من الأمور التي كانت تؤرق فكري، فما هذا الزمان، ومن أين أتى وإلى متى سيكون باقياً؟ وكيف كان العالم قبل إنبثاق الزمان؟

ولو لم تكن هناك كرة أرضية وشمس وقمر، وكنّا نعيش حياة رتيبة في بقعة من هذا الفضاء اللامتناهي، كيف كنا سنشعر بدوران عجلة الزمان؟ هل كانت هذه الدقائق والساعات تثقل فكرنا في تلك الحالة؟

* هل حقاً لدينا مصير معين مرسوم لنا مسبقآ وعلينا التسليم له شئنا أم أبينا؟ فإن كان الأمر كذلك، أفليس من العبث أن نجهد أنفسنا من أجل السعادة والموفقية، وهل يمكن تغيير المصير؟!

* اللغز الآخر الذي كان يعكر فكري ويرهق ذهني هو التفكير بهذه الروح التي تكاد تكون أقرب إلينا من كل شيء!

هذه نماذج من الاسئلة المزعجة التي لا نهاية لها والتي كانت تدور في خلدي، أسئلة بشأن أسرار خلق الإنسان، والسرّ الذي ينبعث منه الوجود، وهكذا قضية المصير وسائر القضايا من هذا القبيل.

نعم، كانت هذه الاسئلة كالسحب المتراكمة التي غطت جوانب فكري وجعلت تمارس ضغوطها عليه، صحيح أنّي نشأت وسط أسرة دينية، وكنت كالآخرين أملك إيمانا تقليديا بالبارىء سبحانه، ولكن أنى لي الاكتفاء بهذا القدر المتواضع من الإيمان، والاستسلام لهذه الأجوبة دون قيام أي دليل منطقي عليها؟

وممّا لا شك فيه هو أنّ بروز هذه الأفكار دلالة على تحركة الحياة وسلوك طريق طويل شاق وخطير.

فترة البلوغ وثورة التساؤلات

الآن وبعد أن بيّنت لكم نبذة من حياتي الماضية، ووقفتم على الأفكار التي كانت تدور في ذهني آنذاك، أرى من الضرورة بمكان أن أضيف هذه العبارة وهي أنّ المطالعات اللاحقة دلت على أنّ مثل هذه الأفكار إنّما تحدث لأغلب الأفراد تزامنا مع فترة البلوغ أو تتأخر عنها قليلاً، حيث تكون تلك الفترة قصيرة وعابرة لدى البعض، وبالعكس قد تكون طويلة ومريرة على البعض الآخر.

لكن أتعلمون أنّ ظهور مثل هذه الأسئلة في ذهن الإنسان لا يدعو إلى أي قلق واضطراب، بل بالعكس فذلك علامة على الاستقلال الروحي والنضج الفكري ودليل على تفتح استعداداته وقابلياته الباطنية؟!

نعم، هذه علامات تبث الأمل في بلوغ الإنسان مرحلة جديدة من حياته؛ أي أنّ جميع الأفراد الذين يتزامن نضجهم الفكري مع بداية بلوغهم الجسمي والفسلجي، فإنّهم يعومون في سني البلوغ في بحر من هذه الأفكار، بحيث يتشبثون بكل وسيلة من أجل الخلاص منها - أمّا من يتأخر نضجهم الفكري فإنّ المدّة قد تطول لتخترق زوايا أفكارهم مثل هذه الأسئلة.

وبالطبع فإنّ الأفراد الذين يعيشون حالة طفولية من الناحية الفكرية والنفسية، فإنّهم لا يرون قط حالة النضج العقلي، فليس هنالك مثل هذه الأسئلة التي تؤرقهم، فهم يعيشون على الدوام حالة من الاستقرار الممزوجة بالجهل، فلا يشعرون أبدآ بحالة من الاستقلال الفكري!

على كل حال، ينبغي عليكم ألا تشعروا بالقلق من ظهور مثل هذه الأفكار، فهي دلالة على نضجكم الفكري وأنّكم قد وردتم مرحلة جديدة في الحياة، ألا وهي مرحلة البلوغ الفكري.

فإن راودتكم مثل هذه الأفكار فاعلموا أنّكم تخطيتم مرحلة التقليد والتبعية ودخلتم مرحلة الاستقلال، فينبغي لكم أن تجدّوا وتجتهدوا وبكل هدوء للظفر بالحلول المنطقية والمقنعة لهذه الأسئلة والاستفسارات.

طبعاً قضية مراودة هذه الأفكار وإن كانت تدعو للأمل والتفاؤل، إلّا أنّها قد تشكل ظاهرة خطيرة إن لم تجد هذه الأسئلة بعض الأجوبة الصحيحة؛ لأنّ الجهد الممتزج بالأمل في هذه الحالة يتحول إلى نوع من الخمود واليأس والتشاؤم، لذلك يشاهد العديد من الشباب الذين لم يحصلوا على ردود صحيحة لهذ الأسئلة وبغية الهرب من شباك مثل هذه الأفكار، قد لجأوا إلى المسلّيات الخاطئة والإشباع الطائش لغرائزهم المستعرة، في محاولة للحصول على استقرار زائف وكاذب.

على كل حال، فمن الطبيعي عندما يقتحم الإنسان وسطاً جديداً، فإنّ كل شيء سيكون لديه مبهماً ومدعاة للتساؤل والاستفسار، فيسعى من خلال ما يملك من فكر لاختراق حجب هذا الابهام والوقوف على الحقيقة، إلّا أنّ حداثة هذه الأجواء إنّما تبدأ حين يرد الإنسان مرحلة البلوغ، وهنا يرى كل فرد العالم بصورة جديدة، وبالطبع ترافق ذلك عملية انبثاق مختلف الأسئلة والاستفسارات، وبناءً على هذا فلا ينبغي لكم أن تشعروا بأي امتعاظ من مخالجة هذه الأفكار لأذهانكم، بل عليكم أن تنظروا إليها بكل تفاؤل وسرور.

كيف نحصل على اطمئنان القلوب؟

 البحيرة الصغيرة تتحرك أمواجها.. لأدنى نسيم .. سيما إن كانت قليلة العمق

لقد بلغت حديثاً، فكنت أشعر بشخصية جديدة، كانت الدنيا تبدو لي بشكل آخر، غير أنّها مشوبة بنوع من القلق والاضطراب، كانت مفردة «الاطمئنان» تبدو لي خيالية ذات لذة ومتعة خاصة، كنت ألهث دائماً نحو الاطمئنان الروحي والاستقرار النفسي، وللأسف لم أذق منها إلّا قليلاً!

ولعل هذا هو السر في أنّ هذه المفردة كانت تحمل عندي شيئآ من الذكريات الأليمة المختلطة بالأسى والحزن، كنت أشعر أحيانآ من خلال هامش نتاجات وسيرة بعض العلماء والكتّاب أنّهم يعيشون بروح مطمئنة تفيض عشقآ للحقيقة وكأنّ سلسلة أفكارهم قد اتصلت بموضع آخر، وهذا الركن الوثيق الذي استندوا إليه هو الذي منحهم القوّة والصمود مقابل تحديات الواقع.

كانوا يتمالكون أنفسهم إزاء الشدائد ويتحلون بالشجاعة والاقتدار في مجابهتهم للصعاب، حتى أنّهم كانوا يستقبلون الموت ـ رغم ما ينطوى عليه من أسرار تثير أسئلة مقلقة ـ بكل رحابة صدر.

كنت أستمتع بهذا الاطمئنان العجيب الذي كان يسود حياتهم، كما كنت أغبطهم عليه، إلّا أنّي لم أعثر على بصيص من هذا الاطمئنان في روحي كلما تأملت زواياها وبحثت في أحشائها.

كأنّي بروحي قد غرقت في ظلمات دامسة، فكانت تتطلع من تلك الظلمات إلى أشباح مرعبة ومبهمة مقرونة بمختلف الأسئلة والاستفسارات التي جعلت منها مسرحآ للهجمات، ثم كانت تمحى وتندثر وسط تلك الظلمات، كنت أحدث نفسي، ترى ما الضير لو أصاب روحي قبس من ذلك الاطمئنان وأضاء كل زواياها وطرد إلى الأبد هذه الأشباح المرعبة، التي تبدو وكأنّها على رباط وثيق بتلك الظلمات..؟!

كانت تلك أعظم أمنياتي ورغباتي الباطنية، الاُمنية التي قد لا أظفر بها حتى في عالم الخيال.

أمّا اُولئك العلماء فلعلهم ظفروا بذلك في سني النضج الفكري، حتى وفقوا لما بذلوه من جهود متواصلة، ولعلي كنت أغري نفسي بذلك.

captcha