بسم الله الرحمن الرحيم
بادئ ذي بدء، أرى لزاماً أن أبارك لكم إخوتي وأخواتي الأعزاء جميعاً اقامة هذا المؤتمر العظيم. لا شك أن اقامة هكذا مؤتمر في هذا المكان والزمان بغية تحقيق الأهداف السامية يعدّ من النشاطات الثقافية القيمة جداً وسينعكس لا محالة ايجاباً على ازدهار وتقدم مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).
وكما تعلمون فإن الشيخ الطوسي شيخ الطائفة (رحمه الله) هاجر من مدينة بغداد إلى النجف الأشرف بسبب أذى الجهلاء، وعمل هناك على إرساء دعائم الحوزة العلمية في جوار حرم أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، الأمر الذي فتح آفاقاً جديدة أمام الجهود العلمية لشيعة أهل البيت (عليهم السلام) وأدى إلى تعزيز عظمتها وعمقها يوماً بعد يوم.
وبموازة هذه الحوزة العلمية الشامخة، فقد تمّ تأسيس حوزة علمية في مدينة قمّ المقدسة منذ عصر الأئمة الهدى (عليهم السلام) على يد رواة أخبار أهل البيت (عليهم السلام)، أخذت بالاتساع مع مرور الزمان.
وهكذا تمّ تأسيس حوزات علمية في المدن الكبيرة الأخرى في العراق ولبنان وسوريا وايران، مما أدى إلى امتلاك العالم الشيعي في العصر الراهن لأكبر الحوزات العلمية في العالم الإسلامي، ومما يبعث على السعادة أن مختلف العلوم الإسلامية ازدهرت في هذه الحوزات واتسع نطاقها بشكل مطرد.
نحن نعتقد أن العالم الراهن ملّ من النزعة المادية وبات يتجه صوب المدارس الإلهية والمعنوية؛ هذا وإن مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) هي المدرسة التي تضع العقلانية والعلم في رأس تعليماتها مقارنة بالمدارس الالهية الأخرى، وإن كان الإعلام _ للأسف _ لم يسلط الضوء المطلوب على هذه الميزة. نأمل أن يكون هذا المؤتمر خطوة ناجعة باتجاه تعزيز النشاط الاعلامي وارتقاءه، لبيان هذه الحقيقة.
هذا وقد قررنا بدورنا أن نعقد مؤتمراً في العام القادم بحوزة قمّ تحت عنوان: دور الشيعة في تأسيس العلوم الاسلامية وازدهارها، وقد وجهنا دعوة إلى جميع علماء العالم الاسلامي من الشيعة وأهل السنة غير المتعصبين، بل حتى إلى المستشرقين، فيما أوكلنا كل علم من العلوم الإسلامية بنحو مستقل الى فريق عمل، ونأمل أن يكون ثمرة ذلك عشرات المجلدات في مجال دور الشيعة في تأسيس هذه العلوم والنهوض بها.
ومع هذا فإن تجاربكم قيّمة بالنسبة لنا، ونأمل أن توفّر التجارب الكبيرة لحوزة قم العلمية الأرضية للأجيال القادمة، للتعريف بمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) التي وقع عليها الحيف والظلم للعالم جمعاء، وأن تؤخذ مجالها الحقيقي في الضمير العالمي.
وأخيراً، من دواعي سروري أن وفّقت لارسال الشيخ خوشخو كممثل عني للمشاركة في أعمال مؤتمركم الموقر، ولا يسعني في الختام إلا أن أقدم لكم الشكر مرة أخرى أيها الأعزاء والقائمون على المؤتمر، وأستودعكم الله.
ناصر مکارم الشيرازی
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته