دواعي وأهداف الثورة الحسينية من منظور سماحته (دام ظله)

دواعي وأهداف الثورة الحسينية من منظور سماحته (دام ظله)


إن دعوى حبّ الحسين (عليه السلام) والسير على نهجه الشريف تصحّ إذا ما اكتشف الإنسان مفاسد ومظالم عصره وسعى لإصلاحها وتقويمها / إن المشاركون في مجالس عزاء الحسين (عليه السلام) سيوفقون لهذا الأمر عندما يقررون مكافحة الفساد والظلم وإصلاح المجتمع الإسلامي بتدبير وحنكة.‌

إن ضرورة السعي والبحث عن الأهداف التي خرج من أجلها الإمام الحسين (عليه السلام) دعت إلى التماس آراء سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي (مد ظله). في هذا السبيل. وبما أنّ أوثق المصادر لمعرفة أهداف الإمام الحسين (عليه السلام) هي كلماته التي قالها وهو في طريقه من المدينة إلى كربلاء وكذلك الزيارات التي وردت فيه (1). فقد تمّ بيان أهدافه (عليه السلام) من خلال هذه المصادر الهامّة والقيّمة من منظور سماحة المرجع الديني مكارم الشيرازيّ.

 

إصلاح الأمّة بواسطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

نقول في بيان ذلك: لقد ورد في أحد مقاطع وصيّة الإمام الحسين (عليه السلام) لمحمّد بن الحنفيّة بعد رفضه البيعة ليزيد: “إِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي” (2) (3).

إذن الإصلاح هو أوّل أهداف الإمام الحسين (عليه السلام) من نهضة عاشوراء. والإصلاح يقابله الفساد بمعنى أنّ الفساد هو هدم النظام المتكامل لأمة أو دولة أو مجتمع أو أسرة أو فرد، والإصلاح إرجاعه إلى حالته الأصلية (4). والأمّة كذلك من الممكن أن يحل بها الفساد سواء كان اقتصاديا أو أخلاقيا أو عقائديا أو ثقافيا أو فساد العواطف والمشاعر الإنسانية، وإصلاحها يعني إزالة جميع تلك المفاسد وإعادة النظام إلى طبيعته السابقة (5).

فالإمام الحسين (عليه السلام) أراد إصلاح ما خلّفه حكم معاوية وابنه يزيد من فساد في الأمة والمجتمع الإسلامي، فرفض بيعة يزيد وقرر إعادة الإسلام المحمدي الأصيل لممارسة الحياة الفرديّة والاجتماعيّة على سنّة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وإحياء ذكراه (6).

ولذلك صرّح (عليه السلام) في وصيّته لأخيه محمّد بن الحنفيّة “أُريدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعرُوفِ وَأَنْهى‏ عَنِ الْمُنْكَرِ” (7). ونظير هذا الكلام موجود في زيارات الإمام الحسين (عليه السلام) لاسيّما في زيارة وارث.

 

إحياء سنّة النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)

ومن جملة الأهداف المهمة لحركة الإمام الحسين (عليه السلام) كانت إحياء سنّة النبيّ الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله. (9). قال الحسين (عليه السلام): “ادْعُوكُمْ إلى‏ كِتابِ اللَّه وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله فَإنَّ السُّنَّةَ قَدْ أمِيتَتْ وَإنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ أحْيِيَتْ” (10).

وبيان كلامه (عليه السلام): أنّ البدع التي وضعها معاوية في الدين، أماتت سنّة النبيّ صلى الله عليه وأله (11)، حيث أسّس قيمه ومبادئه على الثروة والمال وشيّد حكمه وحكم ابنه على أساس الشهوات الدنيويّة واعتمد على التفضيل العرقيّ (12). كتفضيل العرب على العجم (وإن كان أولئك العرب منحطّين خلقاً)، وشاع في عصره التمييز العنصريّ الظالم (13). ممّا حثّ الإمام الحسين (عليه السلام) على القيام ضدّ يزيد بغية هدم أسس التمييز والتفضيل واستبدالها بالعدل (14).

 

إحياء الحق؛ دحض الباطل

نجد في التأريخ بأنّ معاوية كان قد شكّل عصابات لإرسالها إلى العراق مركز حكم الإمام علي (عليه السلام) للإغارة على أهل الحدود ونهب أموالهم من أجل زعزعة الاستقرار والأمن وكسر ثقة الناس بحكم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لليأس منه (15) (16). كما أنه كان يطرح قضيّة مقتل ثالث الخلفاء عثمان على يد المتمردين في سبيل تضعيف حكم الإمام (عليه السلام) (17)، ولكن قمّة انحراف معاوية ظهرت في استخلاف يزيد على الحكم وهو رجل فاسد فاجر قاتل للنفس الزكية شارب للخمور مقامر فاسق (18). أليست هذه من مصاديق إحياء الباطل وإماتة الحق؟ فالإمام الحسين (عليه السلام) قام لإحياء الحقّ وإماتة الباطل وإزالته من المجتمع الإسلامي، وكان مستعدّاً للتضحية بكل ما يملكه في هذا السبيل (19).

 

مكافحة الجهل

في جملة ما ورد في زيارة الأربعين من أهداف خروج الإمام الحسين (عليه السلام) (20): “وَبَذَلَ مُهْجَتَهُ فيكَ لِيَسْتَنْقِذَ عِبادَكَ مِنَ الْجَهالَةِ، وَحَيْرَةِ الضَّلالَةِ” فبذل المهجة يعني غاية الإيثار والفداء (21)، ولكن المسلمين في عصر بني أميّة ولا سيّما في عهد معاوية ويزيد لم يكونوا على معرفة أنّ بني أميّة ليسوا خلفاء الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وذلك لضعف البصيرة وهذا تقصير وإهمالٌ منهم، فهم جاهلون بالحقيقة ولكنهم مقصّرون في جهلهم (22). قال الحسين (عليه السلام) في كلامه مع مروان بن الحكم: “إن الخلافة محرمة على ولد أبي سفيان” كما أنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله قد حذّر الناس من قبل حيث قال: “إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه” ولقد شاهده الناس على منبر الرسول ولم يقتلوه فابتلاهم الله بفاسق مثل يزيد (23) (24).

فثار الإمام الحسين (عليه السلام) لإيقاظ الناس من سباتهم وغفلتهم ولكن الهجعة لم تكن لتستفيق والجهل لم يكن ليزول إلاّ ببذل مهجة الحسين (عليه السلام) وأصحابه الأوفياء في سبيل الله لتروى بها شجرة الإسلام (25).

 

إقامة حكومة إسلاميّة في ضوء رفض الإسلام العلمانيّ

إنّ إقامة الحكومة الإسلاميةّ هي من جملة الأهداف المهمة لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) (26)، ومن ادّعى انفصال الدين عن السياسة فهو لا يعرف السياسة ولا الدين ومشاريعه، لأنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله عندما هاجر إلى المدينة ونجى من كيد المشركين كانت خطوته الأولى تشكيل الحكومة الإسلاميّة ليحقّق أهدافه من خلالها (27). وقد صرّح الإمام الحسين (عليه السلام) في كلام نورانيّ له: “.. وَلكِنْ لِنُرِيَ الْمَعالِمَ مِنْ دِينِكَ، وَنُظْهِرَ الْإِصْلاحَ فِي بِلادِكَ، وَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبادِكَ، وَيُعْمَلَ بِفَرَائِضِكَ وَسُنَّتِكَ وَأَحْكامِكَ” (28). فهو أراد إقامة حكومة إسلاميّة ولكنّ بعض العوامل حالت دون تحقيق هدفه المقدس (29).

 

الإمام الحسين (عليه السلام) وإقامة العدل

لقد بيّن الإمام الحسين (عليه السلام) في رسائله إلى أهل الكوفة بأنّ من أهدافه كبح جماح الظالم وإقامة العدل فقال: “مَنْ رأى منكم سلطانًا جائرًا مستحلاًّ لِحُرَمِ الله ناكثًا عهده مخالفًا لسنَّة رسول الله | يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيِّر عليه بفعل ولا قول كان حقًّا على الله أنْ يدخله مدخله” (30) (31). فالإمام (عليه السلام) يوضح في كتابه هذا بأنّ رسالة النبيّ صلى الله عليه وأله هي مكافحة الجور والظلم، وبيّن هدفه من ثورته ودعا الجميع إلى مناصرته (32).

ولذلك ينبغي مكافحة كلّ مظاهر الجور والظلم أينما كانت، ومناصرة المظلوم وإغاثته، ومجالس العزاء هذه مقدّمة لبيان أهداف الإمام (عليه السلام) من الثورة ثمّ المضيّ نحو تحقيق هذه الغايات السامية (33).

 

الثورة الحسينيّة؛ ابتلاء واختبار

إنّ ثورة الحسين كانت ابتلاء لأهل زمانه من المسلمين (34). فقد كان هناك من الشيعة أناس يدعون المناصرة الفارغة لا حقيقة وراءها وكذلك من الصحابة الذين سمعوا من النبيّ (صلى الله عليه وآله) أوصاف الحسن والحسين (عليهما السلام) وممّن تمنّى المشاركة في بدر وأحد مع الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله والاستشهاد في سبيل الله وكذلك من تمنّى الجهاد تحت راية عليّ (عليه السلام) في مقارعة الناكثين والقاسطين والمارقين، فثورة الحسين كانت ابتلاء لجميع هؤلاء إلاّ أنّه لم ينجُ منها إلا ثلّة قليلة وبان نفاق جميع الباقين (35).

 

نيل الشفاعة العظمى

إنّ درجة الشفاعة التي وردت في زيارة عاشوراء للحسين (عليه السلام) لا شك فيها، حيث يقول: “أَللَّهُمَّ ارْزُقْني شَفاعَةَ الْحُسَيْنِ يَومَ الْوُرودِ” ولكن الشفاعة ليست إذناً للتمادي في المعاصي وإنّما هي حائل يصدّ عن الذنوب (36). فعندما يطلب الإنسان الشفاعة معناه وجوب المراقبة لألّا يصدر عنه المزيد من المعصية وألّا ينقطع عن أولياء الله كي يتسنّى له طلب الشفاعة من المعصومين عليهم السلام (37).

 

كلمة أخيرة

إنّ بسط المعروف وإزالة المنكر ضرورة تتحقّق في ضوء إقامة العزاء الحسينيّ وينبغي توسعة مجالس العزاء في كلّ عام. ولكن إذا نسينا الأمر المعروف وتركنا النهي عن المنكر يزداد الفساد والظلم في المجتمع الإسلامي، وبذلك لم نحقّق هدف الحسين (عليه السلام) من ثورته. فشجرة الدين محتاجة في كلّ عصر إلى سقايتها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والغفلة عنهما يعرّض المجتمع المسلم إلى مخاطر الهجمة الثقافيّة الغربيّة المعادية للدين (38).

إضافة إلى أنّ دعوى التبعيّة والحبّ إنّما تكون صادقة حين يهتمّ الإنسان بما يدور في زمانه من المفاسد ويقرّر الوقوف في وجهها ومكافحتها.. ولا شكّ بأنّ جماهير المشاركين في عزاء الحسين (عليه السلام) سيوفقون لذلك عندما يقررون مكافحة الفساد وإصلاح المجتمع بتدبر وحنكة (39).

إنّ “يزيد” العصر وأتباع النهج الأمويّ منتشرون اليوم في أرجاء العالم لا سيّما في الدول الإسلاميّة ويسعى هؤلاء لإبقاء الناس على جهلهم، ولكنّ واجبنا إيقاظ المسلمين وتوعيتهم بالنسبة إلى هذا الخطر الجمّ لا سيّما وأنّ هناك بعض زعماء الدول الإسلاميّة على الظاهر ممّن تحالف مع أخطر وأعدى أعداء المسلمين (أمريكا وإسرائيل) وأصبحوا في خندقٍ واحدٍ بوجه المسلمين المظلومين في فلسطين واليمن والبحرين والعراق وسوريا (40).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إعداد ودراسة: شعبة الأخبار في المكتب الإعلامي التابع لسماحته (دام ظله Makarem.ir)

 

المصادر:

 

[1] اهداف الثورة الحسينية ؛ ص11.

[2] فتوح ابن اعثم، ج 5، ص 33 و بحار الانوار، ج 44، ص 329.

[3] اهداف الثورة الحسينية ، ص: 22.

[4] نفس المصدر، ص: 27.

[5] نفس المصدر، ص: 27.

[6] نفس المصدر، ص: 32.

[7] بحار الانوار، ج 44، ص 329؛ مقتل الخوارزمي، ج 1، ص 188.

[8] اشْهَدُ انَّكَ قَدْ اقَمْتَ الصَّلاةَ، وَآتَيْتَ الزَّكاةَ، وَامَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنْ الْمُنْكَر.

[9] اهداف الثورة الحسينية؛ ص47.

[10] تاريخ الطبري، ج 3، ص 28؛ بحار الانوار، ج 44، ص 340؛ اعيان الشيعة، ج 1، ص 59.

[11] اهداف الثورة الحسينية؛ ص48.

[12] نفس المصدر، ص: 51.

[13] نفس المصدر، ص: 53.

[14] نفس المصدر، ص: 55.

[15] أشار الامام علي عليه السلام في الخطبة 27 من نهج البلاغة الى هذا الموضوع.

[16] اهداف الثورة الحسينية، ص: 65.

[17] نفس المصدر، ص: 66.

[18] من أقوال حسين بن علي عليه السلام، ص 11.

[19] اهداف الثورة الحسينية، ص: 68

[20] إن زيارة الأربعين خاصة بالإمام الحسين عليه السلام فقط، ولم ترد للممعصومين الآخرين عليهم السلام. فهذه الزيارة من الزيارات المعروفة عن الامام الحسن العسكري عليه السلام والتي ذكرها الشيخ الطوسي رحمه الله في المجلد السادس الصفحة 52 الحديث 37 من كتاب تهذيب الاحكام.

[21] اهداف الثورة الحسينية؛ ص73.

[22] نفس المصدر، ص: 75.

[23] لهوف، ص 20؛ ومثيرالاحزان، ص 10.

[24] اهداف الثورة الحسينية ، ص: 76.

[25] نفس المصدر، ص: 79.

[26] نفس المصدر، ص: 83.

[27] نفس المصدر، ص: 86.

[28] بحار الانوار، ج 100، ص 80.

[29] اهداف الثورة الحسينية، ص: 89.

[30] بحار الانوار، ج 44، ص 382.

[31] اهداف الثورة الحسينية؛ ص97.

[32] نفس المصدر، ص: 98.

[33] نفس المصدر، ص: 102.

[34] نفس المصدر؛ ص111.

[35] نفس المصدر، ص: 112.

[36] نفس المصدر، ص: 118.

[37] نفس المصدر، ص: 118.

[38] نفس المصدر، ص: 44.

[39] نفس المصدر، ص: 33.

[40] نفس المصدر، ص: 80

الوسوم :
captcha